الثورة – فاتن دعبول:
دمى من ورق، أرواح تتهامس في فضاء رحب لتشكل حالات إنسانية تنسج قصصاً وحكايات ضمن إطارات ضاقت بها المساحات لتحلق بالفضاء خارج إطار اللوحة والمكان مشكلة مشاهد مختلفة حيناً، وتكون راقصة حيناً آخر.
” دمى من كرتون” معرض فني ظهر إلى النور بعد مرور شهرين من العمل الدؤوب، اشتركت فيه عدة فتيات سوريات خرجن عن المألوف بإعادة تدوير الورق والكرتون بعد خضوعهم لورشة عمل بإشراف الفنانة التشكيلية هنادة الصباغ ومدير المشروع سامر العيد بصالة” البيت الأزرق”.
صيغ بدقة ومهارة عالية
وبعد جولته وبعين الناقد الفني الحصيف بين سعد القاسم الناقد التشكيلي أن معرض” دمى من ورق” يسعى في مضمونه إلى تقريب المسرح من الفن التشكيلي، ورغم أن الدمى معروفة منذ زمن الستينيات، إلا أن المعرض شكل حالة مستقلة عن العرض المسرحي، فالمعرض هو بحد ذاته عرض مسرحي، وعمل طموح لجوانب عديدة، أهمها اختيار قياس الدمى، والمادة المستخدمة” الكرتون” وتلك المرونة التي تتمتع بها الدمى في الحركة، فالاهتمام بالمفاصل كان خطوة متميزة.
وأضاف القاسم: الأعمال المعروضة متقدمة جداً ومشغولة بمواد غير مألوفة، ورغم أنها لا تتمتع بديمومة، لكن في فن العصر الحديث لم تعد الديمومة هي معيار، فالأعمال تتميز بخيالات جميلة، والعرض المتحرك الذي يعيدنا إلى حميمية المكان الذي استثمرته الفنانات بطريقة ذكية، فالبيت الدمشقي الحميمي الذي احتضن المعرض شكل قيمة مضافة، وخلق عرضاً ممتعاً بمهارات تشكيلية جذابة وتوقيت مدروس، وكل شيء صيغ بدقة ومهارة عالية.
إبداع جديد
وبينت الفنانة التشكيلية هنادة الصباغ أنها سعت إلى طرق باب الفنانين التشكيليين لأنهم بعيدون عن مسرح العرائس، فالمشروع لجذب أكاديميين لتكوين كادر تدريس، لأن هذا النوع من التشكيل يجب أن يدرس في الجامعات، لعدم انتشار ثقافة مسرح العرائس، وكانت فكرتها أن يكون التعبير خارج إطار اللوحة، وتحريك الشخوص الجامدة داخل اللوحة، وطرح المعرض بجميع أبعاده، بالإضافة إلى تقديم عرض فني يحاكي حالات إنسانية متعددة” الفرح، الحزن، اللعب، الهروب” وباختصار هو مسرح للحياة بكل تفاصيلها الواقعية..
وأضافت: إن الفكرة لاقت حماساً كبيراً من قبل الفنانات التشكيليات، وكان العمل على خامة الكرتون التي استفزتهم وخلقت عندهن إبداعاً جديداً، وامتلكن مادة الكرتون وهي خامة من لون التراب، ودخلن في مدارس عديدة” الواقعية، التعبيرية، التكعيبية، والأسلوب الهندسي” عملن بجهود كبيرة واستطعن صنع شخصيات واقعية تعبيرية، خرجت من إطارها لتشكل عالماً جديداً متحركاً، وكان التركيز في العمل على مفاصل الجسم” اليدين والقدمين” لإعطاء الحياة لهذه الدمية وخلق الإحساس لديها.
وبدورها ترى الفنانة الصباغ أن فكرة الأكاديميين والتركيز على توليد الأفكار الجديدة أدت إلى إنتاج أكثر من 64 عملاً بموضوعات مختلفة ومدارس متنوعة اهتمت بتجسيد التفاصيل وخلق سحر يفوق الوصف.
ثقافة الكرنفالات
أما عن مصير عن هذه الأعمال فتقول: المادة بلا شك هي مادة هشة وقابلة للتلف، ولكن أردنا إيصال فكرة أنه من لا شيء يمكن أن نصنع فناً، وطموحنا أن نخرج إلى الشارع بمهرجانات فنية مسرحية يشاهد الناس هذا العمل، فمسرح العرائس يعشقه الكبار والصغار، ولكن ما زال مسرح العرائس يحتاج لمزيد من الجهود وإلى تمويل وتبنٍ من بعض الجهات المعنية وتضافر جهود حكومية وجهود الفنانين.
كما نسعى إلى تطوير هذا المشروع، وهناك ورشات عمل ستقام في الوطن العربي، كما نسعى إلى إنشاء معهد أكاديمي وورشة دائمة لتطوير هذا النوع من الفنون.
تجربة غنية
وتجمع الفنانات المشاركات أن هذه التجربة شكلت لديهن عالماً جديداً من التحدي، فالعمل لم يكن سهلاً، ولكنه أضاف لديهن خبرة غنية ومهارة جديدة.
تقول الفنانة زينب علي إن العمل جديد في فكرته وهو عمل يميل إلى النحت، ولكنه نحت على الكرتون، فإعادة تدوير الكرتون وصنع مجسمات منه، تجربة جديدة مليئة بالمفاجآت، ولم تكن تجربة سهلة، لكن الجو العائلي الذي جمعنا، أعطى عمقاً وإبداعاً وإحساساً انتقل بالعدوى إلى اللوحة.
والفنانة روان عيد تقول: التجربة جديدة وأضافت لي الكثير، ولو أتيحت لي الفرصة لإعادتها فلن أتردد في تقديم المزيد، وخصوصاً أننا أكثر معرفة ودراية بتفاصيل وأسرار تكوين هذه المجسمات.
أما الفنانة تايا عثمان قالت: هي تجربة فريدة وغنية بمعلوماتها، وتعلمت خلالها تحجيم الأشخاص، وكيف أجسد ملامح الوجه والتعبير والحركة، وكيف أقود اللوحة إلى تحقيق الفكرة التي أرسمها لها.