الثورة – لميس علي:
أو ربما هي قدرتنا على عيشها كحلم.. تماماً كما حاول المخرج مجيد مجيدي التعبير عن ذلك بكل شفافية وشاعرية عبر فيلم (أغنية عصافير الدوري)، إنتاج 2008.. مبتعداً عن أي نوع من المباشرة أثناء سرد حكاية العمل سوى حين يغني البطل الأغنية التي تقول: “حياتي مجرد كذبة.. الحياة حلم”.
ثمة شيئان يشدّان المتلقي إلى تلك العوالم التي تخلقها كاميرا مجيدي.. شيئان أساسيان تتفرع أو تحلّق حولهما مختلف تفاصيل الحكاية المعروضة علينا..
الأمر الأول اللافت قدرة الممثل (رضا ناجي) على عيش دوره في شخصية (كريم) بطريقة غاية في الإتقان، ما يجعلنا طوال مدة الفيلم نشعر وكأنه فعلياً لا يمثل إنما يحيا تلك الحياة بكل صدق وعفوية.. ينغرس بكل تفاصيل شخصيته وكأنه الشغوف بكل ما تفعله وتقوم به.
الأمر الثاني استغراق وانشغال كاميرا مجيدي بالتقاط التفاصيل الصغيرة والبسيطة للحياة جاعلاً منها صلب موضوعه.. وكأنه ممن يؤمنون بأن الحياة السعيدة هي ليست سوى القدرة على عيش أدق تفاصيلها بكل متعة وقناعة..
بدون تكلّفٍ، يقدّم كل ذلك.
ما يفعله أنه يزرع عين كاميراه في مواقع تصوير تنحاز للريف الإيراني بكل ما فيه من جمال وبساطة تُدعّم أحياناً بموسيقا تصويرية تزيد من جمال مشهديته البصرية وسحرها..
للأمانة.. “أغنية عصافير الدوري” يبدو، حقيقةً، كأغنية بصرية عذبة من حيث سلاسة سرديته والابتعاد عن أي حشو أو زخرفة بصرية.. أو أي مباشرة بطرح فكرته.
بكل تلقائية، تبدأ الحكاية من حدثٍ بسيط هو سقوط جهاز السمع الخاص بابنة كريم في خزان المياه.. ويترافق هذا الحدث مع حدث آخر هو هروب إحدى النعامات من مزرعة النعام التي يعمل بها كريم، فيُطرد من عمله لهذا السبب، ما يعني تفاقم حجم مسؤولياته.
مصادفات الحياة تجعله يعمل في طهران سائقاً لدراجة نارية تنقل الأشخاص..
ومفارقاتها تقدّم (حدثاً) طازجاً غير متوقع يزيد من صعوبتها ويدفع بالحكاية إلى شيء غير متوقع.. كما في اللحظة التي يسقط فيها من على كومة الأغراض التي راكمها في ساحة بيته.. أو اللحظة التي يُثقب فيها برميل الأسماك.. وغيرها أحداث غير متوقعة صنعت مفارقات زادت من وهج “الحبكة”.
ثمة لقطات تسرقها عين مجيدي بكل ذكاء.. وتقدّمها ضمن سياق العمل بكل انسيابية تبتعد عن الفجاجة والوعظية، كما حين ينظر الأب (كريم) إلى يد ابنه (حسين) وهو نائم، ليجد أن فيها عدة خدوش وجروح مستنتجاً أن صغيره يعمل ليساعده أثناء مرضه..
بالإضافة إلى لقطة تصوّر (عصفور دوري) يطير ضمن الغرفة التي يستلقي فيها كريم وفي كل مرة يصطدم بزجاج النافذة مانعاً إياه من الخروج إلى فضاء أوسع.. ثم يأتي كريم ويفتح زجاج نافذة مطلقاً العصفور إلى الخارج..
وكأنما استند عنوان الفيلم على هذه اللقطة تحديداً..
وكأن كريم وكل أفراد عائلته المحبة والبسيطة، ليسوا سوى عصافير دوري تحيا بحثاً عن أمان عيشها.
عُرض الفيلم مؤخراً ضمن نشاط (بيت السينما، كندي دمشق).
السابق