الفن التشكيلي ومضامين التصحيح ومعانيه

أديب مخزوم
في فترة ما بعد قيام الحركة التصحيحية، أي بعد السادس عشر من تشرين الثاني من عام 1970، شهدت حركتنا التشكيلية السورية، تياراً تشكيلياً ثائراً على اللوحة الغربية الخالصة، التي كرستها الهيمنة والتبعية الثقافية التي رافقت الاستعمار(هذا على صعيد الموضوع، وليس على صعيد التقنية، من وجهة نظر نقدية بحتة) حيث كانت تتكرس، يوماً، بعد آخر، الفنون الملتزمة بقضية الوطن والإنسان من أجل البقاء ومواجهة التحديات والصعاب، في معركة الصراع مع قوى الشر والغدر والرجعية والتخلف. ومن هذا التيار نعرف نعيم إسماعيل وبرهان كركوتلي وغازي الخالدي وعلي السرميني وعلي الكفري ومحمد غنوم وممتاز البحرة وصولاً إلى الأجيال المتعاقبة والحالية.
ومن هذا المنطلق ساهم التشكيل السوري، إلى حد بعيد في التعبير عن معاني المرحلة الجديدة، مرحلة التصحيح، وذلك من خلال إقامة العديد من النصب التذكارية، وتجسيد اللوحات الجدارية، التي أبرزت إنجازات التصحيح، في المجالات الحياتية كافة.
هكذا كشف الفنان السوري في تجاربه المتنوعة، وفي كل المراحل، وعلى مدى عقود وسنوات التصحيح، عن استعداده للتعامل مع المعطيات والمنطلقات التي آمن بها، ضمن صياغة مستوية أو كتلوية أو فراغية تحمل المفاهيم الفنية الحديثة، حيث يمكننا الانتباه إلى إيحاءات كثيرة، وتبدلات في الإيقاعات والأساليب الخاصة بكل فنان على حدة، وعبر استخدام الكثير من التقنيات الحديثة، التي وفرتها حرية التعبير الفني، وهذا أعطى الفنان قدرة على التنويع وإبراز جماليات متبدلة ومتغيرة، تقوم أصلاً على حركات اللون، أوعلى انسيابات الكتلة المتتابعة في الفراغ.
وبعد نضوج الأفكار والخبرات التقنية كانت تأتي الانعطافات الكبرى نحو معالجة الموضوع الوطني بصياغة فنية حديثة، دامجة بين الإيقاعات العفوية والهندسية والغنائية، وهذا الارتباط بالمفاهيم الجمالية الحديثة، جعل العمل الفني الملتزم والوطني يتملص شيئاً فشيئاً من ثقل الامتداد التسجيلي، ويدخلنا مباشرة إلى عالم اللوحة أو المنحوتة الأكثر عمقاً وسبراً للأغوار الإنسانية العميقة، المعبّرة عن إيقاعات تصاعدية وتراجعية، لها دلالاتها الانفعالية المفتوحة أيضاً على مخزون ما ترسب في الذاكرة الطفولية، من مشاهدات وإيقاعات مرتبطة بالعناصر المحلية، وهذا يساعد في اكتشاف المراحل الفنية التي مر بها كل فنان، وبطريقة بعيدة كل البعد عن حدود الصياغة التقليدية وقيود الشكل التسجيلي.
وبالرغم من بروز النزعة الواقعية في العديد من الأعمال الملتزمة، كان الفنان ولايزال يشعر دائماً بحاجة ماسة، إلى انتماء لصياغة واقعية فيها شيء من الحداثة، عبر شاعرية لمساته اللونية، وكان وفي كل مرة يعود فيها إلى رسم الرموز الوطنية والقومية والإنسانية، وكان دائماً يريد الغوص في معطيات إمكانية المادة اللونية والتنويع التقني واللمسة الخاصة.
وعلى هذا سجل الفنان السوري، رغبته في صياغة أعماله الفنية الوطنية في التملص أو الإنفلات من اللوحة التسجيلية، والوصول إلى لوحة واقعية حديثة، تبرز تعاطفه مع الأحداث الوطنية والقومية، وفي هذا النطاق ظهر كفنان ملتزم يعالج بلوحاته الملامح العسكرية والبطولية بكل أبعادها ورموزها الوطنية.
وتلك الجداريات والتماثيل واللوحات الملتزمة ترتفع بالذوق الجمالي العام، لأنها تقدم الموضوع الوطني برؤية معاصرة كما أشرنا، وهذه الرؤية تقرب اللوحة من الناس، وبالتالي تجعلهم يتحسسون شيئاً فشيئاً العناصر الفنية الحديثة الموجودة في تلك اللوحات والجداريات، مثل اللمسات اللونية العفوية، وهذا يعني أن فنانينا قدموا أعمالاً واقعية ملتزمة بروح القرن الماضي والحالي، حيث عالجوا العناصر بطريقة فنية حديثة، تخلوا فيها عن بعض التفاصيل الباردة لمصلحة إبراز أو تجسيد المحسوس عبر إشارات الواقعية المعاصرة، التي بحثوا عنها بشغف لتحقيق رغبتهم، في اكتشاف إيقاعات جديدة في الرسم والنحت الحديث.
هكذا ساهم التشكيل السوري في التعبير عن معاني التصحيح، وطمح لمسايرة وهجه، وكان يهدف منذ البداية، إلى إشاعة الأمل، وتذليل الصعاب، ولقد جنح فنانونا في اتجاههم الواقعي والتعبيري والرمزي، نحو الاختزال والتبسيط والتحوير بهدف الوصول إلى الإيحاء المطلوب الذي تؤديه لمسات اللون الكثيف، ودرجاته المتفاوتة على سطح اللوحة، الشيء الذي يؤكد الهاجس الفني لدى الفنان في الوصول إلى تشكيل البعد والعمق الملتزم بربيع ووهج التصحيح.

آخر الأخبار
إغلاق بعض المخابز الخاصة  في طرطوس لمخالفاتها   الشيباني يتسلم نسختين من أوراق اعتماد سفيري موريتانيا والجزائر لدى سوريا الدبلوماسية السورية تنظف بيتها الداخلي      انطلاقة صندوق التنمية السوري.. محطة وطنية لرسم مستقبل جديد  الجيش يتصدى لمحاولة تسلل مجموعة من “قسد” إلى نقاط بـ"تل ماعز" ويوقع أفرادها بكمين محكم تعزيز التعاون الزراعي مع أبخازيا حين تُصبح الوطنية تهمة.. البلعوس مثالاً المعرض مساحة اختبار.. والزوار شركاء في صناعة النجاح الطلاق النفسي في البيوت السورية.. أزمة خفية بصوت عالٍ تجهيزات متطورة وكادر متخصص..افتتاح قسم الحروق في مستشفى الرازي بحلب الاختفاء القسري في سوريا.. جرحٌ مفتوح يهدد أي سلام مستقبلي لا دورة تكميلية هذا العام..وزارة التربية تحسم الجدل.. والطلاب بين القبول والاعتراض الصناعة السورية تتحدى الصعوبات.. والمعرض يفتح آفاقاً للتصدير ازدحام خانق إلى أبواب معرض دمشق الدولي.. التدفق الجماهيري يصطدم بعقدة التنظيم بمبادرة خيرية.. افتتاح مركز الفيض الصحي في جبلة أردوغان: نعزز تعاوننا مع سوريا بشتى المجالات تحيز (بي بي سي) تجاه غزة ينتهك واجبها الصحفي "سوريا تستقبل العالم".. إشارة رمزية للانفتاح والاستقرار من الانقطاع إلى الانطلاق.. صناعاتنا الغذائية في معرض دمشق الدولي من الأردن.. مشاركات تتميز بشمولها واختصاصات نوعية في "دمشق الدولي"