كعادتي أمشي بخطوات مسرعة تجاه مكتبي في صحيفة الثورة في الطابق السادس في صباح اعتيادي مليء بمشاغل العمل، وإذ بي ألمح صديقتي مترجمة اللغة الفرنسية المتميزة (سراب الأسمر) وهي تحمل قالب ( كاتو) بلون الشوكولا مزين بعناية تفوح منه رائحة كل من تذوق حلويات ومأكولات زميلتنا يدرك موهبتها التي لا تقل عن موهبة الكتابة.
حين أجابتني عن سؤال ماهي المناسبة…؟
أنها تقاعدت…!
لم أستوعب هل سنفتقد محياها البريء ورقتها اللافتة …؟
صدمة ما، جمدتني، سراب الصحفية التي حافظت طيلة سنوات عملها على إنسانية وتواصل حميمي مع زملائها ستغيب عنا اليوم هي أيضاً…؟!
في لحظة تسترجع في ذهنك جميع من رحلوا، ويداهمك الحزن رغماً عنك، وتفتقر اللحظة لحيوية نحتاجها في أمثال هذه الأوقات، ولو زائفة.
منذ بعض الوقت بدأت مكاتب صحيفة الثورة، تفقد إعلامييها، وبدأت الصحيفة تبدو فارغة إلا من ذكراهم، قبل بضع سنوات كانت تغص المكاتب ويعلو الضجيج الصباحي، كأننا في مجمع إعلامي كبير ورائحة قهوة سراب الصباحية بفناجين متنوعة وابتسامة لا تفارق محياها حتى في أحلك الظروف، وهي الآتية من بلودان لا تشتكي.. بالكاد تتكلم إلا بما يفضي بك إلى طاقة إيجابية رغم هدوء مشيتها واتزان روحها.
حين اجتمعت صبايا الترجمة في جلسة أخيرة يحتفون بانتهاء خدمة زميلتهم، فجأة أعيد للغرفة بل وللطابق بأكمله بهجة غابت عنا منذ بعض الوقت، تخللها حديث ذكريات يتوقد فيها خلاصة عمر صحفي بأكمله، لو أننا مررنا الشريط منذ البداية لاختلف تعاطينا مع كل شيء..
لربما اختفت كل تلك الصراعات الصغيرة، والأحاديث الخالية من المعنى…
سراب ليست مجرد زميلة غادرتنا…
هي مثال جسد الخير والعطاء طيلة عمرها الإعلامي…عملت بجهد وصمت وتركت أثراً لا ينسى…
تميزت وأوقدت لحظتها الوداعية، وكأننا بتنا نمتلك مفاتيح التوهج التي قدمتها لنا ( سراب الأسمر) بوداعتها المعهودة، فهل نتمسك بها…؟!