دائماً تتحول إحدى غرف منزلها إلى مخزن، يمتلئ بأغراض شتى، قد ترتفع قيمتها مع الوقت، أو تصبح بلا قيمة مجرد نفايات لا تجرؤ على الاقتراب منها، وإن فعلت ترتعش يداها وتعجز عن رميها.
اليوم انتفضت على ذاتها، وصعدت إلى السقيفة التي تحتفظ داخلها بكل ما هب ودب، انتزعت كرتونة بصعوبة شديدة، وحين فتحتها انصدمت أن بداخلها مجموعة أغطية لطالما بحثت عنها، انشغلت بغسيلها، وأين ستجد مكاناً للاحتفاظ بها، ونسيت بقية الأغراض.
ولم تستفق من انشغالها إلا حين جف الغسيل، ورمته جانباً إلى حين العثور على مكان له…
لا تتذكر المرة الأخيرة التي رمت فيها شيئاً تملكه مهما كان بسيطاً، مع أن وقع الصدمة الأولى حين خسرت كل شيء قبل أكثر من اثنتي عشرة سنة، كان مهولاً وبعدها أبدعت في فنون التخلي، ولكن لبعض الوقت.
مع أن المرة الأولى كانت من صنع البشر، والثانية من صنع الطبيعة، إلا أن ردود الفعل تتشابه…
لقد فقدت كل شيء …للمرة الثانية، وها هي مرمية، معلقة دون أي سند تدرك أن التواء أصابها في الصميم، لم يترك منفذاً إلا واخترقه.
بعدها تحتاج إلى سعي حثيث وعبثي وربما إلى هزات كي تدرك أنه في لحظة لا شيء يحميك، ولا شيء يقيك ارتدادات الطبيعة، ولا حتى البدائل التي حاولت اختزانها يوماً..
الهشاشة تحيط بنا، حين تتفكك الأرض وتتحول المنازل إلى ما يشبه لعبة كرتونية تهتز لأقل ارتداد، مع كل هزة هناك شيء فيك يهتز في العمق، تتبدل، لا تعرف إن كان هذا التبدل آنياً، كما حدث في مرة سابقة..
أم إن هذه الهزة اليوم، قد أصابت الجميع وبالتالي هي كلمة سر لا يفترض بنا نسيانها أبداً، وإلا أضعنا “الكود” أو شيفرة ندرك عبرها كم هي زائلة احتياجاتنا، كم هي ساذجة قناعاتنا فيما مضى، وكم أهدرنا وقتاً أو لنقل عمراً نحفر لنتملك، وها هي الأغراض التي حاصرتنا زمناً طويلاً تتبعثر فوق رؤوسنا في وقت الأزمات، كأنها حجارة ترتطم برؤوسنا ليضيع هباء كل جهد بذل لأجل اقتنائها…!