الملحق الثقافي- عبادة دعدوش:
الأسرة نواة المجتمع، وهي منه كالجذع من الشجرة والاشتغال على إلغائها يعني تشظياً في المجتمع، وتمكيناً أكثر لمن يريد توجيه سلوك الفرد نحو ثقافة الانحلال الأخلاقي بهدف جعله كائناً استهلاكياً إلى أبعد الحدود دون قيود، حيث يرى عبدة المال وأسياده من كبار الرأسماليين المُتنفذين، أن الأسرة عقبة بعد أن ثبت أن الأناس الأقل توازناً نفسياً والأقل ثقة بالنفس، هم الأكثر استهلاكاً واقتناءً وتعلقاً بالأشياء.. إن الأسرة في معظم الأحيان مصدر دعم نفسي، وتمنح الفرد المنتمي إليها عدة مسائل على هذا الصعيد منها الثقة بالنفس.
هناك توجه ملحوظ لدى صناع الدراما التلفزيونية الأميركية، والقائمين على المنصات الرقمية مثل: نت فليكس، نحو تجاوز كل الخطوط الحمراء في أغلب الأعمال الدرامية التي تقدمها لتثير الضجة وتحصد أكبر عددٍ من المشاهدات، حيث نرى المثلية الجنسية، العري، العنف، الجنس الجماعي، سِفاح الأقارب وما شابه وكأنها ثيمات ثابتة بارزة لدى المنصَّة !!
عبدة المال هؤلاء لا يُلقون بالاً لهدم منظومة الأسرة، عبر عرض ممارسات لأبطال أعمالهم الدرامية فيها اعتداء سافر على هيبة الأب أو الأم، وسأقدم مثالاً بعينه توخياً للدقة، وهو مسلسل اسمه شيم لس/قلّة حياء، حيث يظهر الابن ليب، وعمره سبعة عشر عاماً يضرب والده فرانك في أكثر من حلقة، ومبرر هذا السلوك أن الأب سكير انتهازي، لا يقدم شيئاً لأسرته، ويصل تحقير الأب في هذا المسلسل ذي الشعبية الكبيرة والذي بلغت أجزاؤه الأحد عشر جزءاً، إلى تبوّل ليب على والده من نافذة غرفته المرتفعة، وذلك لأن هذا المُراهق يعشق فتاة حسناء ورغم معرفة والده بذلك إلا أنه أقام معها علاقة عابرة،
ما أثار غضب الابن، فغافله وتبول عليه وقَبِلَ الأب بأن يتم ذلك تكفيراً عن الأذى النفسي الذي لحق بابنه جراء ما فعله !!
إن فكرة ترسيخ التعلّق المفرض أو التعلّق المَرضي بالجنس الآخر لدى المراهقين، هي فكرة هدامة وخطيرة، فما بالنا وقد اقترنت بإهانة الأب وتقديم العشق الشهواني على أي اعتبار، والمُقزز أكثر في المسألة أن تلك الفتاة كارين لا تتصف بشيء يستحق أو يُبرر إهانة المعنى الإنساني المتمثل بـ الأبوّة إن افترضنا جدلاً أن هذا الأمر قابل للتبرير، فالفتاة لا يميزها شيء سوى أنها جميلة جداً، والابن ليب عشيقها، يعلم أنها فاجرة عديمة الضمير والأخلاق بالمعنى الحرفي للكلمة، وهي تخونه عادة، لكنه استاء أن الخيانة تمت مع والده في هذه المرَّة. أي عقلٍ مريض قد يكتب مثل هكذا أحداث ؟! وأي جهة إنتاجية منحطة قد تنتج هكذا أشياء ؟!
يسعى المسلسل إلى تبرير ومَنطَقة الأفعال المُناهضة لقيم التعايش الأُسري، عبر عرض أسوأ نماذج ممكنة للآباء والأمهات، والمشكلة تكمن في جعل تلك النماذج الشاذة هي أبطال المسلسل التي يرسخ لها صُناعُهُ كل الفنون البصرية والسمعية موسيقا تصويرية بتكلفة إنتاجية ضخمة، لجعل المُشاهد يتعاطف معها ويتبنى مواقفها!!
أبطال المسلسل، أسرة فقيرة تعتاش على السرقة!! وكأننا نتحدث عن الفايكنج أو القراصنة، أو قبائل صحراوية من العصور الغابرة من تلك التي كانت تعتاش من قطع الطريق والسلب والنهب والعدوان ! كيف يمكن القبول بهذا السلوك، كسلوك يومي اعتيادي لتحصيل لقمة العيش، يتعاون فيه الإخوة ويَعلم به بعض الجيران ولا أحد يستنكره أو يستهجنه !!
وقائمة المسلسلات المشينة من هذا النوع تطول، لدى المنصة الأشهر عالميَّاً نت فليكس ومنها مسلسل جيم أوف ثرونس/صراع العروش، ومسلسل إليت/النخبة حيث مقابل الفتاة الفاجرة كارين بمسلسل شيم لس نجد الشبقة مومس المَزاج القاصر كارلا المدعوة بالماركيزة الصغيرة.
تكمن خطورة هذه المسلسلات انطلاقاً من مقولة أن الناس يغضبون من مشاهدة الفعل المشين ويسعون لإيقافه ثم مع استمراره وتكراره عبر فترات زمنية متقاربة، يكتفون بالاستنكار، ثم مع الزمن تتضاءل ردود أفعالهم وتتلاشى ثم من الممكن أن يستمرئوه كما استمرأت مجتمعات عديدة مسائل فظيعة، كالعبودية ووأد البنات و.. و..، لذا لابدَّ من الكتابة والحديث عن هذه الممارسات والدعوة إلى مقاطعة كل القنوات والمنصات التي تعمل على ضرب أبلغ قيم التعايش المُتمثلة بمنظومة الأسرة.
العدد 1145 – 23-5-2023