الثورة – ديب علي حسن:
ربما هو عنوان صادم قليلاً ويمكن الإجابة مباشرة على التساؤل بنعم أو لا، وقد تكون النعم الأكثر حضوراً ..
لكن لماذا نطرح التساؤل الآن؟ بعد ما يقارب القرن من نهضة فكرية ازدهر فيها الإبداع العربي لاسيما الأدبي منه الذي انحاز إلى القضايا الاجتماعية والسياسية وهموم الأمة، وبلغة المصطلحات الأدبية (الأدب الملتزم).
لكن حدثت قطيعة كبرى بين الكثير من المبدعين ومجتمعاتهم وانشغلوا بالكذبة الكبرى (الفن للفن) مع أنه في الوقت نفسه كانت أميركا اللاتينية تقدم للعالم أدباً روائياً من نبض الناس والحياة.
ومع دخول الدراما فناً قائماً بحد ذاته إلى دائرة الإبداع وموجة التسويق التي لا تبغي في معظم الأحيان إلا الربح كان مال السلطان حاضراً وجاهزاً والسلطان هنا قد يكون سياسياً أو اقتصادياً أي من يمكنه أن يدفع كما يقال للزمار.
ظاهرة قديمة
ولا يظنن أحدٌ ما أن الأمر طارىء أبداً فهو موجود في الثقافة العربية وقد ناقشه الدكتور علي أومليل في كتابه المهم جداً (السلطة الثقافية والسلطة السياسية ) صدر الكتاب عن مركز دراسات الوحدة العربية _ بيروت ١٩٩٦م .
يعقد أومليل فصلاً تحت عنوان: سوق السلطان يقتبس في مطلعه قول الجاحظ ( السلطان سوق، وإنما يجلب إلى كل سوق ما ينفق فيه وقد نظرت في التجارة التي اخترتها والسوق التي أقمتها فلم أر فيها شيئاً ينفق إلا العلم والبيان عنه)، يريد الجاحظ القول أن بضاعة العلم تتجه إلى سوق السلطان وليس كل بضاعة تروج فيها بطبيعة الحال ..إنها سوق البضاعة المنتقاة .
ويرى أومليل أن العلماء كانوا يسعون إلى عتبة مجلس السلطان والأمر ليس صعباً الصعب فيه المحافظة على المكانة في المجلس فهناك دسائس المتنافسين وتقلب أهواء السلطان .
هذا صحيح وفي التاريخ القديم من الوقائع التي تؤكد ذلك المتنبي وسيف الدولة وقبله النابغة الذبياني وما جرى له ولن ننسى المعتمد بن عباد وغيرهم من الكتاب .
وبكل الأحوال السؤال المهم الآن: لماذا عاد الإبداع في معظمه إلى سوق السلطان؟، هل وهل كل السلاطين قبلوا هذه العودة ودفعوا ثمن البضاعة وعرفوا أنها نفاق؟، لذا ترى الكثير ممن يعملون عند السلطان من أدوات تنفيذية لا تهتم كثيراً بالثقافة والمبدعين ولا تحبهم .
وهذا يقودنا إلى طرح سؤال آخر: لماذا لا تحب الحكومات الثقافة والمثقفين مع أنها تتزين بها وبهم حين الحاجة..؟