د. مازن سليم خضور:
يقال الليل ستَّار العيوب لاسيما في أزقة المدن الضيقة وفي ظلام الليل تكون خلايا العين البشرية غير قادرة على تمييز الألوان فيصبح الليل رمزاً للغموض بانتظار خيوط الضوء لتظهر وتتوضح الحقائق عما حصل.. لكن إذا كان لعتمة الليل دور في ستر العيوب فللهدوء وسكينته رأي آخر في الكشف عن مخالفات لم يكن ليرضاها، فكيف وإن كانت هذه المخالفات في أعرق مدن التاريخ وأقدمها دمشق وكما يحب أهلها تسميتها الشام القديمة.
دمشق القديمة هو اسم الجزء القديم من مدينة دمشق المدينة المأهولة الأقدم عبر التاريخ تمتاز بعبق التاريخ والحضارة من خلال الأبنية والأوابد التي تعود لعدة عصور بالإضافة إلى مقدساتها المتنوعة من كنائس وجوامع المبنية بأسلوب العمارة الدمشقية الشهيرة بطرازها الفريد.. هذه الحارات الجميلة التي حافظت على شكلها الخارجي وتغيرت بعض مضامينها!
جميل أن تواكب الحضارة لكن الأجمل أن تحافظ على تراثك فمعظم المنازل العربية القديمة تحولت إلى فنادق ومطاعم التي تصدح منها الأغاني وتقام فيها الحفلات حتى مطلع الفجر ما يتسبب بمعاناة للأهالي بكل معنى الكلمة بسبب الضجيج والنماذج التي تخرج من هذه الحفلات وهي في حالة عدم اتزان والمظاهر المخلة للآداب العامة بالإضافة إلى مجموعة من المشاكل وكل هذا على لسان الأهالي.. إحدى القاطنات في تلك المنطقة تقول هذه المنطقة هي الأجمل والأقرب إلى قلبي رغم زيارتي مدن أوروبية عدة لكن للشام القديمة سحر مختلف وحب يدخل للقلب مباشرة دون استئذان لكن هذا لا يمنع إلى أن بعض المشاهد في هذه المدينة والمشاكل أصبحت لا تطاق، ويجب إيجاد الحلول والآلية المناسبة والأهم المرنة للتعاطي مع هذه الأمور، فمثلاً مشكلة الترميم والأبنية الآيلة للسقوط لابد من إيجاد حلول أكثر ديناميكية ومرنة، كذلك موضوع دخول السيارات إلى تلك المنطقة وإعطاء السكان بطاقات لتنظيم الدخول والأوقات فهذا الموضوع أيضاً بحاجة معالجة ومتابعة خاصة في ظل المحسوبيات الموجودة، أما موضوع المطاعم والبارات فحدث ولا حرج وهنا الطامة الكبرى وغياب الرقابة والمحاسبة ووجود التجاوزات في هذا الموضوع لناحية ساعات العمل من جهة أو الموسيقا العالية والصاخبة من جهة أخرى، ولن أتحدث عن بعض النماذج للأسف بعضها مخجل ومعيب، أما عن الشكوى والاستجابة فهذه معضلة جديدة!
وهذا ما أكده لنا أيضاً أحد القاطنين في تلك المنطقة والذي يقول إن السكن في تلك المنطقة تحول نقمة بعد أن كان نعمة بسبب ما يحصل لناحية نوعية قسم معين من الزوار والمشاهد التي نشاهدها في تلك المنطقة خصوصاً في ساعات الليل، كذلك حالة الصخب والفوضى ونوعية الأغاني والكلمات النابية التي تردد جميعها عوامل تشعرك بأن منطقتك التي ولدت وتربيت فيها ليست ملائمة خاصة في أوقات الليل لأن تتجول فيها رفقة العائلة أو الأطفال للأسف!
أحدهم أشار أيضاً إلى موضوع إنساني يخص السكان وهو في حال تعرض شخص منهم ليلٱ لأزمة صحية تحتاج نقله بسيارة إسعاف فإنه سيفارق الحياة قبل وصول سيارة الإسعاف إليه كما بالنسبة لنشوب حريق ما فسيارات الإطفاء عاجزة على الدخول إلى مكان الحريق والسبب أنها تحتاج إلى أكثر من ساعة لتجتاز المسافة من ساحة باب توما إلى قلب المدينة القديمة على الرغم أن مساحة تلك المدينة لا تتعدى الكيلومتر ونصف طولٱ وذات المساحة عرضاً، لكن للأسف أن أرصفتها أصبحت مرائب للسيارات بحيث المشاة يمشون في وسط طرقها الضيقة، كما أن سيارات العاصمة الفارهة تتبختر وتستعرض ذاتها من كل حدب وصوب وكأننا في معرض للسيارات ما يشكل عرقلة للمرور، وتعجز فيها تلك السيارات من القيام بواجبها الإنساني.
بالرغم من كل ما سبق يبقى وسيبقى لدمشق القديمة سحرها خاصة عندما تسير في أزقتها الضيقة وعلى جانبي الطريق أبواب خشبية كبيرة وقديمة ما أن تطرق أحد تلك الأبواب ويفتح حتى تفوح منه رائحة الياسمينة الدمشقية والحبق والجوري ورائحة القهوة بالإضافة إلى صوت البحرة والنوفرة..
جميعنا تغنى بالشام القديمة وبذلك الإحساس الجميل التي تشعر به عند دخولك إليها وسنبقى نتغنى بذلك.