د. مازن سليم خضور:
يسحرك الطريق إلى القرية رغم مرارة الوصول إليها، مزيج من الأنهار و الينابيع الخلابة بمنظرها الساحر، رغم عطش القرى المزنر بخير المياه الغائبة عنها.. طريق يمتاز فقط بجمال طبيعة الخالق دون تدخل أو هندسة بشرية والتي لا تبدو أن خطط المعنيين هناك مرت به، طريق خال حتى من شاخصة للمرور، تصطف فيه الحفر كما لو أنها “مارتون للسقوط” تغيب عنهُ أعمدة الإنارة، وإن وجدت، فيها كما شهود الزور تقف دون نور أو فائدة، ليبقى ذاك الطريق المتشح بالسواد تتقاسمه كهرباء غائبة و صيانة لا وجود لها.
تصل إلى هناك لتجد مجموعة من كبار العمر يجلسون على گراسٍ خشبية صغيرة وبجباه فيها من التجاعيد حكاية عمر وأكثر، و أيدٍ تحمل في طياتها الكثير من تعب السنين يجلسون يلفون سجائر التبغ المحلي أمام نار متوقدة من الحطب لانعدام الغاز يشربون الزوفا ويلعبون (المنقلة) يتبادلون الحديث ولا حديث يدور إلا عن الوضع المعيشي الصعب والقاسي.
يتحدثون عن الأوضاع المعيشية والخدمات الغائبة.. عن غياب شبه كامل للكهرباء والاتصالات والأصعب للمياه في منطقة تغرق بالمياه الجوفية والينابيع الغزيرة التي تصل إلى البحر من جهة أو إلى مسابح الطبقة التي لا تنتمي إلى هذا الوضع.
يتحدثون عن دفعة مساعدات لم توزع بشكل عادل وتوزيع حسب المحسوبيات وفساد لم يخرج عن الوضع القائم والمؤسف أن الجميع بات بانتظار هذه المساعدات بسبب الأوضاع والتحول من شعب منتج إلى شعب منتظر للكرتونة.
وضمن الحديث يتساءلون بين بعضهم عن أبنائهم الذين عانوا من إصابة دائمة بسبب المعارك أو يتذكرون بطولات وقصص من رحلوا من فلذات أكبادهم ويترحمون عليهم ويقولون بأن الرحمة شملتهم لأنهم لم يشاهدوا ما يعانوه في هذا الوقت.
ليأتي أحدهم ويريد تغيير هذا الحديث المؤلم ويفتح حديث الموسم الزراعي لينتقل حديث الهموم لموضوع آخر فيه المعاناة الكثير خاصة والجميع يعلم علاقة الفلاح بأرضه.
وفي ظل حديث المعاناة يخلقون بسمة من الألم حيث يذكر أحدهم بأن راتبه التقاعدي يساوي ثمن صحنين من البيض ليقول الآخر بأن مجهود تعبه في العمل يساوي ثمن ثلاث دجاجات بياضة بل الدجاجات يتفوقن عليه.
وفي ظل الانهماك في الأحاديث تنفض هذه الجمعة بغمضة عين والسبب هو ظهور الكهرباء فجأة وكأنها ضيف عزيز والجميع بانتظاره خاصة أن زيارتها خاطفة وسريعة وقد تكون لدقائق قليلة وفيها يجب الاستثمار الأمثل لهذه النعمة!
أي بحث علمي يجب أن يكون متّبع مجموعة من الأدوات والطرق والتقنيات الخاصة، والتي يتم استخدامها في فحص المعارف والظواهر المكتشفة، أو هو استكمال لبعض النظريات والمعلومات، ويعتمد ذلك على تجميع بعض التأكيدات، ويجب أن تكون قابلة للقياس والاستنتاج.
وفي حالتنا نستخدم المنهج الاستقرائي من بين المناهج العلمية القديمة حيث جمع المعلومات والبيانات بهدف الوصول إلى علاقات عامة، وذلك عن طريق تناوُل الجُزئيات بالتحليل، ثم التعميم في مراحل تالية والانتقال من الجزء إلى الكل بغرض الوصول إلى النتائج، ومن خلال كل ذلك نستطيع الوصول إلى نتيجة بأنه في هذه الحالة التي رصدناها لمجموعة من كبار السن في الريف الجميل نستطيع تعميم نتيجة وهي ما قاله رئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا: التعاطف الإنساني يربطنا ببعضنا – ليس بالشفقة أو بالتسامح – ولكن كبشر تعلموا كيفية تحويل المعاناة المشتركة إلى أمل للمستقبل… على أمل أن تتحول هذه المعاناة التي نعيشها إلى أمل بغدٍ أجمل.