الثورة – حسين صقر:
كلنا يعلم أن مشكلة التفاوت الطبقي مسألة منفصلة عن الفقر، لأن التفاوت ينطبق حتى على العائلات الميسورة، حيث نجد بينها من يمتلك كل أدوات الراحة والرفاهية، والقسم الآخر يمتلك بعضها، ولا مشكلة لديه بتأمين ما يلزم من متطلبات لعائلته، بينما الفقر حالة مختلفة، إذ لا يستطيع فقير الحال توفير أدنى مقومات العيش لأسرته، وهنا تظهر الفجوة واضحة بين أفراد المجتمع وأسره.
هذا التفاوت نلمسه في عدة أماكن، في الشارع والحي والعمل والمناسبات والمدرسة، ولكن الموقع الأخير أكثر خطراً من سابقيه، لأن التفاوت المذكور يواجهه أشخاص صغار السن غير مكتملي الوعي، وينقصهم من الإدراك وتقدير الأمور الكثير، ولهذا نرى أن ذلك ينعكس على عطائهم وحضورهم ومشاركتهم بين أقرانهم في الدرس، حيث يشعر الطالب الفقير أنه مهما قدم من معارف وخبرات، هناك من يتربص به، مطلقاً أحكامه الجائرة عليه، وفي حال تميز يمكن أن يلاقي من يعاديه من زملائه لتحطيم معنوياته وسحبه للخلف، بدلاً من دفعه للأمام.
بعض الأهالي ممن يمتلكون المال، لا يقدرون هذه الناحية وتراهم يغدقون على أولادهم في الطعام والشراب واللباس، غير مدركين أن ذلك يترك أثراً نفسياً سلبياً على أقرانهم، بينما نرى البعض الآخر ينتبه لهذه الناحية، ولا يعطي أبناءه ما يطلبون مراعاة لشعور الغير.
وفي هذا السياق تقول السيدة “ن.ج”: إنها واجهت مشكلة كبيرة مع ابنها الذي يطلب منها فوق طاقتها من الطعام واللباس والقرطاسية، أسوة بزميله الذي يعود لعائلة مقتدرة، وتضيف أن الأمر وصل بها لأن أحجم ابنها عن الذهاب إلى المدرسة لأنه لا يستطيع مجاراة بعض زملائه الذين يلبسون أجمل الملابس ويتناولون أشهر أنواع البسكويت والسندويش والمشروبات وغير ذلك، وتوضح السيدة أن الشعور بالفقر والحرمان، قد يكون أخطر من الفقر نفسه، لأن تأثير اللامساواة والتفاوت الطبقي على صحة الفرد واستقرار المجتمع يكون كبيراً، ولابد من إيجاد العلاج المناسب له.
من ناحيته أكد ” م. س” أن ابنته رفضت الذهاب إلى الجامعة بعد الأسبوع الأول من الدوام لرؤيتها زميلاتها وقد ارتدين أجمل الملابس والأحذية، ووضعن أطيب العطور، ويتناولن ألذ الأطعمة، في الوقت الذي تذهب فيه وهي تحمل سندويشة من المنزل، حتى أن البعض منهن رمقنها بنظرات غريبة.
وأضاف الرجل: يعد التفاوت الطبقي من أبرز مشكلات المجتمع لما فيه من شعور بالظلم والقهر لدى الطبقة الفقيرة، وفي المقابل يكون شعور الطبقات الأخرى به شيء من التكبر، على الرغم من أنها ليست قاعدة عامة إلا أنها موجودة وبشده في مجتمعنا.
على النقيض من ذلك يرفض السيد “ح. ي” وهو رجل مقتدر أن يعطي ولديه ابنه وابنته ما يطلبان منه، وخاصة إلى الجامعة، لجعلهم يتساوون مع بعض زملائهم غير القادرين على مجاراتهم مادياً، ويضيف أن هذا الشعور رافقه في الصغر عندما كان فقيراً، ولهذا لا يريد لأحد غيره أن يعيشه.
*لا يقتصر على المدرسة والجامعة
والتفاوت لا يقتصر على المدرسة والجامعة كما ذكرنا، وهناك أشخاص يأتون إلى العمل كل يوم في لباس جديد، سواء أكانوا رجالاً أم نساء، في الوقت الذي لا يغير فيه زملاؤهم ثيابهم سوى مرة أو مرتين في الشهر، وليس مطلوباً من هؤلاء إلا الشعور بالآخرين.
وكذلك هناك أناس يقيمون مناسبات أفراح ويبذخون بسبب وبلا سبب، في الوقت الذي يعجز فيه البعض عن البناء أو الزواج، وليس مطلوباً منهم غير الشعور بالآخر ولاسيما في ظل هذه الظروف الصعبة.
المسألة بالطبع يطول شرحها وتتعدد حالاتها ولكن علاجها ليس بالأمر الصعب، حيث يكمن ذلك العلاج في الأساس الأسري السليم والتأهيل الصحيح عبر زرع القيم والمبادئ، وحث الأبناء على غرس روح التعاون والإحساس بالآخر، وتعليمه أن الفوارق الطبقية حالة موجودة منذ القدم، ولكن تجاوزها يختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر، وبالتالي لابد من خلق نوع من التواضع في تعامل الأسرة مع الآخرين، وهو ما يخلق تأثيراً إيجابياً كبيراً على نفسية الفرد الذي سيشب حتماً على هذا التواضع.

السابق