يمن سليمان عباس:
منظر لا أروع ولا أجمل منه رافقني منذ عقود من الزمن حين دخلت العمل في جريدة الثورة البناء الجديد.. عشرات الزملاء والزميلات يلتقون عند منهل الماء الرئيس كل منهم يحمل في يده وعاء ما..
البعض يأخذه للمكتب وآخر للبيت..
في طريق العودة ترى قسماً كبيراً منهم يحمل قوارير الماء من هذا المنهل..
إنه منهل أعذب ماء في العالم من ماء الفيجة الدمشقية..
وكلمة فيجة تعني نبع الماء باليونانية..
فما حكاية جر المياه من هذا النبع البعيد إلى دمشق.
يقول محمود علقم مؤلف كتاب سوق وادي بردى أنه في” سنة ١٩٢٠م بدأ التفكير بتأسيس شركة لجر مياه عين الفيجة إلى المنازل وقد تدارس بعض التجار ورجال الأعمال هذا الأمر مع السيد لطفي الحفار ووجد هؤلاء أن بعض المستثمرين الفرنسيين يسعون لطلب امتياز هذا المشروع ومساعدة سلطات الانتداب الفرنسي.
وفي سنة ١٩٢٢م شكلت لجنة من أعضاء غرفة تجارة دمشق لبحث ودراسة هذا الموضوع وتم التشاور مع وزارة الأشغال التي أسهمت في إرسال مهندس لدراسة هذا المشروع بشكل فني.
وبتاريخ ١٦ آب ١٩٢٢م دعت غرفة تجارة دمشق إلى اجتماع بغرض دراسة هذا الأمر على أن يكون شركة وطنية مساهمة تقوم بطلب الامتياز لجلب مياه عين الفيجة إلى منازل دمشق من المفوضية الفرنسية وذلك باسم بلدية دمشق وتألفت هيئة تأسيسية من أربعة وعشرين عضواً وتقرر دعوة فارس الخوري لاستشارته من الناحية القانونية في ذلك، رحب بالفكرة لكنه اعترض على إنشاء شركة مساهمة فقد خشي أن ينقلب هذا المشروع لصالح أموال أجنبية من خلال شراء أسهمه واقترح أن تحصر الفائدة بأهالي مدينة دمشق وتمليك الماء لأصحاب الأملاك فيها على أن يكون الماء مرتبطاً بالملكية لا يجوز بيعه ولا تحويله دون بيع العقار أو تحويله لمالك آخر ليبقى هذا المشروع وطنياً وأن تشكل لجنة لدراسة هذا المشروع دراسة دقيقة وخاصة من حيث التكاليف وأن توزع التكلفة على الأمتار التي تحتاجها مدينة دمشق وتباع بالأمتار المقدرة ملكاً أبدياً لأصحاب المنازل فيها ثم تقوم لجنة إدارية دائمة لمراقبة العمل وإصلاح ما يتخرب من الأنابيب وشبكات المياه).
وقد توقف العمل عدة مرات ولكنه اكتمل سنة ١٩٣٥ في شهر آب بعد عشر سنوات من العمل وقد كلف المشروع أكثر ٢٧٠ ألف ليرة ذهبية.
وتم توسيع المشروع من جديد عام ١٩٦٩ واكتمل عام ١٩٧١.
إنه نبع الفيجة أعذب الينابيع في العالم وواهب دمشق ماءها السلسبيل.. وما زال الزملاء يتحلقون حول منهل العمل.. حكاية ماء يصل إلى كل بيت مهما كان بعيداً.

السابق