لم ير التاريخ أكثر فجوراً وبذاءة من أميركا عندما تريد أن تركب موجة الإغاثة الإنسانية في غزة بعد أن رفدت العدو الصهيوني بأكثرالأسلحة فتكاً ليدمر القطاع المحاصر، ويهدم منازله فوق رؤوس أهله.
ولا نبالغ عندما نهيل عليها توصيفات قبح السلوك ووقاحة الاتجار بالدواعي الإنسانية، فأميركا التي تريد ارتداء لبوس الإغاثة في غزة هي من عارضت مراراً وقف العدوان الهمجي، وأرسلت آلاف القنابل المدمرة لتدمير قطاع غزة، وهذا الأمر أكدته صحيفة نيويورك تايمز “أن الدمار الذي حل بغزة يعود إلى القوة التدميرية للقنابل الأميركية التي استعملتها إسرائيل ضد الفلسطينيين”.
رغم فداحة الجرم المقترف ورغم دماء الضحايا التي تقطر من أيدي بايدن يريد تصدر المشهد الإنساني فوق المجازر وركام بيوت مازال الشهداء تحت أنقاضها معلناً إرسال ثلاث طائرات تحمل معدات طبية وخيماً إلى غزة، بعد أن أطفأت قنابله المدمرة النور في أحداق طفولة وأحالت أجسامها وأحلامها إلى أشلاء، فهل هناك دونية وانحطاط أخلاقي واستفزاز من اتجار أميركا بالدواعي الإنسانية في سوق المزاودات الرخيصة ؟.
كل يوم تتجسد المفارقات الصارخة بين ما تنادي به واشنطن من شعارات زائفة، وما تقترفه من أثام بحق الإنسانية، فكل السموم التي نفثتها الأفعى الصهيونية ووابل حمم الحقد والموت التي انهالت على الغزيين والبارود المتفجر الذي بتر أعضاء جرحاهم صناعة أميركية اختبرت “اسرائيل” فاعلية وحشيته في غزة.
لكن الصحوة التي أيقظت الضمير العالمي على اتساع خريطة الإنسانية بعد أن مُزقت في العدوان على غزة غشاوة التضليل التي لطالما فرضها العدو الإسرائيلي وحلفاء إرهابه لمنع إبصار الحقائق المؤلمة وتزييف الوقائع لإلباس المجرم الصهيوني القاتل ثوب الضحية، وأبصر العالم بعدها هول الفاجعة الدامية وأدرك حقيقة المظلومية التاريخية للشعب الفلسطيني.
وربما يستطيع الضغط الشعبي العالمي أن يعدل مسارات دول وأنظمة منقادة بحبال التبعية الأميركية والعودة لسكة الإنسانية الحقة والقانون والشرعية الدولية، ويسهم في تكريس عالم متعدد الأقطاب يقيم للإنسانية وزناً وقيمة سامية واعتباراً للحقوق السليبة الواجب والمشروع استردادها، بعيداً عن السطوة الأميركية ودائها الوحشي المستشري في الجسد العالمي منذ عقود.
التالي