الثورة _ حسين صقر:
يقول أفلاطون “الموسيقا هي قانون أخلاقي يمنح الروح للكون ويمنح أجنحة للعقل، تساعد على الهروب إلى الخيال، وتمنح السحر والبهجة للحياة”.
والموسيقا غذاء الروح، ولغة العالم التي لا تحدّها حدود ولا تؤطرها آفاق، باقية على قواعدها وعلاماتها، وتتجدد فقط عبر الزمن، لكنّها لن تتغير.
ويرتبط بالموسيقا، الأغنية، الألحان والمواويل، والأناشيد التي تتنوع ببن الحزينة والمفرحة، والحماسية والمحبطة وغير ذلك.
والأغاني الوطنية الحماسية إحدى تلك الأنواع، حيث تدخل عباب الذاكرة من دون استئذان، ولاسيما لدى من يرضعون حب الأوطان مع حليب أمهاتهم، ويفتدون بلادهم بأرواحهم، والتضحية تجري في شرايينهم وأوردتهم.
ففي القديم كان النساء يقرعن الطبول، وينشدن الأناشيد التي تستنهض الهمم، حين كان الرجال يتجهون إلى القتال، أو يدافعون عن أراضيهم ضد المعتدين، وذلك لإدراكهم أهمية قدرة الموسيقا على بث الحماس في النفوس، والأثر الإيجابي الذي تزرعه في الوجدان.
ولهذا فالموسيقا والأغاني الوطنية لا تزال منذ القدم تحاكي الجمهور وتداعب مشاعره، وتعبرعن قضاياه تجاه الأوضاع الحاصلة، ولكن أطلق على تلك الأغاني في عصرنا الحاضر العديد من التسميات، مثل اللون الوطني أو السياسي أو الملتزم، لكن جميعها تهدف إلى خلق نوع من الاندفاع عند الجماهير، وإيجاد جو يناسب أوقات المحن والحروب، ولهذا استطاعت الساحة الفنية مع الأيام أن تفرز هذه النوعية من الأغاني، وتوحد جمهورها الذي يستطيع تذوقها ويقدرأهميتها.
والأغاني لم تكن وحدها لاستثارة الأحاسيس والمشاعر، إنما كان للأناشيد الوطنية في المناهج أبلغ الأثر، ولهذا نجد الفجوة واضحة بين جيل المتعلمين، وذلك نتيجة الاختلاف في تلك المناهج، والتي لم تجسد فقط الحالة، بل كانت تشكل امتداداً لتاريخ كامل من البطولات.
ولهذا أوجد المهتمون في المجالات الفنية والتربوية بين كلّ فترة وأخرى مهرجانات للأغاني والأناشيد الوطنية، وذلك بهدف إبقائها في ذاكرة الأجيال كي يتوارثوها ويعلموها لمن سيعقبهم، ومن أجل تجذير الهوية والانتماء، وإبراز الدور المهم للأغنية الوطنية، وتأثيرها على الفكر الإنساني، والتأكيد أن ظهورالأغاني الوطنية ليس وليد اللحظة أو مجرد فورة أو موضة، بل كان منذ عصور متقدّمة وتحديداً عندما بدأ الإنسان يتجمع مع بني جنسه هنا وهناك ونشأت الصراعات والمناسبات التي رأوا أن من واجبهم شحذ الهمم وإذكاء الشعور تجاه الأوطان والأجناس وما تطور إلى تسميته بالقوميات.
اليوم نعيش أحداث غزة المؤلمة، والحرب العدوانية التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني على الشعب الأعزل هناك، حيث تتردد على الألسن الأغاني الحماسية لتؤكد وحدة الدم والآلام والآمال، ولسان كل طفل يقول: “أنا دمي فلسطيني” فلولا تلك الأغاني لما شعر الطفل العربي بأخيه الفلسطيني على امتداد الأراضي العربية، وما عرف أن هناك حقاً مغتصباً يدافع عنه هؤلاء بأجسادهم العارية.
وفي عالمنا العربي من بدايات القرن العشرين وما قبله، ظهرعدد من رواد الأغاني الذين خاطبوا الجماهير وهي تحت نير الاحتلال، وكانوا يلحنون أغاني يرددها الشعب، كما وضعوا موسيقا خاصة بالوطن وحماته، ولا يخفى على أحد أن الكثير من المطربين الذين لم يقدموا أنفسهم كمطربين وطنيين تحمسوا لغناء أغانٍ وطنية، لأن تلك الأغاني تتألق وتنتشر بسرعة، وتستمر في الذاكرة، وأغاني “منرفض نحنا نموت” و”وين الملايين” وسورية ياحبيبتي” و”لا لي لا لي يا علمنا لا لي بالعالي” وغيرها، أكبر مثال على ذلك، خاصة وأن الأغنية الوطنية، تشكل دعوة للانتماء وتحرض على الدفاع وعدم الخنوع، وكم من الأحداث نتذكرها، أثناء حضور أو استماع بعض الأغاني الوطنية كيف تتولد عندنا الرغبة في الثأر والانتصار على الأعداء.