الملحق الثقافي- د. ياسر صَيرفي:
لاشكّ في أنَّ ما نشهدُه اليومَ من أحداثٍ في « فلسطينِ العروبةِ « هو بدايةُ تأريخٍ جديدٍ لعهدِ الصّراع العربيّ الصهيوني الطويل الذي يحملُ لواءَه محورُ المُقاومةِ على امتدادِه وتعاضُدِه الرّوحيِّ ودونَما أيّ فتورٍ أو ضعفٍ أو مُساومةٍ، ولعلَّ رأسَ رمحِ المُقاومةِ اليومَ باتَ «غزّة الأبيّة» التي تخضَّبَتْ بدماءِ الأطفالِ، وتعانقَ فيها الترابُ والأشلاءُ في مواجهةِ أقذرِ وحشيّةٍ يهوديّةٍ عرفَتْها البشريَّةُ، وهنا يتعانقُ الموتُ والحياةُ لينتجا مستقبلاً أبيًّا يُورَّثُ للأبناءِ والأحفادِ يُسطَّر بحبر الدم، ويُنقَشُ على صفحةِ الأملِ الذي لا يخيب…
لكنّنا وللأسف إلى الآن لم نرَ ذلك الفنَّ _على اختلافِ أشكالِه_ في ساحةِ النّضالِ الحقيقيّةِ، بل إنّه يواربُ إلى حدٍّ بعيدٍ ميدانَها، ويجاورُها من دونِ الانخراطِ في غبارِها، ولعلّ مرجعَ ذلك إلى انشغالِ العربيِّ المُبدِعِ وغيرِه بمقتضياتِ الحياةِ التي باتَتْ ثقيلةً على كاهلِه؛ فهو يمضغُ المعاناةَ، ويستظلُّ بظلِّ العالةِ، فغابَتْ مع هذا كلِّه النفسُ المُبدِعةُ التي تستطيعُ أن تلامسَ جوانبَ الحياةِ المُتعدّدةِ وتترجمَها على شكلِ فنٍّ… لكنْ مهما يكن من أمرٍ فلابدّ للقيدِ أن ينكسرَ، ولا بدّ للكلمةِ التي باتَت في يومنا هذا أقوى من الرصاصةِ أن تنطلقَ، ولا بدَّ للرّيشةِ أن تتخضّبَ بتلك الدّماءِ؛ لترسمَ لوحةً مؤثّرةً تحرّكُ الحجرَ قبلَ البشرِ وتفضح فيها الممارسات اللاإنسانيّة الغاشمة التي يرتكبها الصهاينة بحقِّ إخوتنا في فلسطين انطلاقًا من المسؤوليّةِ الدينيّةِ والعربيّةِ والأخلاقيّةِ التي ينبغي أن يحملَها كلُّ إنسانٍ مُسلمٍ عربيٍّ غيّورٍ على دينِه وعروبتِه ومذهبه لأنّ «الإبداع رصاص المقاومة» وإنَّ الإحساسُ بالمسؤوليّةِ اليومَ هو خيرُ الأولويّاتِ في زمنٍ تكالبَتْ فيه الأممُ على عروبتِنا وثوابتِنا مع غيابٍ شبهِ تامٍّ للضميرِ العربيِّ الذي أصابَه الشَّللُ، وبهذا يعودُ الفنُّ المُثقّفُ إلى واجهةِ المقاومةِ ويحملُ دورَه الرياديَّ المعهودِ في ظرفٍ حالكٍ ينبغي أن تُسخَّرَ فيه جميعُ الإمكانات.
العدد 1170 – 5 -12 -2023