الثورة _ فردوس دياب:
أخذ موضوع مكافحة «العنف ضد المرأة» حيزاً واسعاً من اهتمام مناهضي العنف ضد المرأة، خصوصاً أنه برز كأكثر الانتهاكات انتشاراً لحقوق الإنسان في دول العالم جميعها.
وقد تجسد هذا الاهتمام في بلورة مجموعة من القوانين التي تحمي حقوق المرأة، وتعاقب كل من يسيئ إليها بأي شكل من الأشكال، ولاسيما أن المرأة هي أحد أعمدة المجتمع الأساسية التي لا يمكن النهوض والتقدم والإبداع، إلا إذا كانت حاضرة فيه بكل قوتها وحقوقها الأساسية.
صحيفة “الثورة” وبمناسبة الحملة الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة والتي تبدأ في الخامس والعشرين من تشرين الثاني من كل عام وتنتهي في العاشر من كانون الأول، التقت الأستاذة في كلية الآداب قسم الفلسفة بجامعة دمشق الدكتورة رشا شعبان للحديث حول هذا الموضوع وأهميته في ظل اتساع رقعة العنف ضد المرأة.
فخ “المساواة مع الرجل”
بدأت الدكتورة شعبان حديثها بتعريف العنف ضد المرأة، بأنه اعتداء جسدي أو لفظي أو معنوي يسبب أذى نفسياً وجسدياً وفكري للمرأة.
وأضافت: إن جذور اضطهاد المرأة تعود في بعض الأحيان إلى بعض العادات والتقاليد الموروثة اجتماعياً، والتي تميز وتفرق بين الرجل والأنثى على المستوى الإنساني، والتي تجعل من المرأة أداة بيد الرجل، وتحرمها من كل حقوقها الاجتماعية والإنسانية، كحرمانها من الميراث مثلاً، وهذه العادات والتقاليد الاجتماعية لا تقبلها كل الأديان والشرائع السماوية، ولكنها موجودة بقوة في مجتمعاتنا.
وأكدت الدكتورة شعبان أن المرأة في نضالها الطويل لتحقيق ذاتها، وقعت في فخ “المساواة مع الرجل”، أو “فخ الرجولة”، وهذا أدى إلى إهانة نفسها، لأنها ناضلت لتحقيق ذاتها لكي تتساوى مع الرجل، وبرأيها أن الرجل هو معيار الإنسانية والكمال، وهذا غير صحيح، فالمرأة يجب أن تناضل من أجل العدالة الإنسانية، وليس من أجل موضوع المساواة، فالعدالة الإنسانية هي أن ينال كل رجل وامرأة حقه بحسب ما يمتلك من مؤهلات وخبرات ومهارات وقدرات وكفاءات وإمكانات، لأنه من الممكن أن يكون مثلي الأعلى امرأة متميزة وليس رجل.
وشددت على الأهمية الكبيرة لأن تفرض المرأة وجودها الصحيح على الرجل، فمعاملة الرجل لها تكون انعكاساً لمدى وعيها وفهمها للحياة، وبقدر ما تقدر ذاتها وتعلي من شأن نفسها بقدر ما يحترمها ويكرمها المجتمع ويعلي من شأنها، فالمرأة أحياناً تهين نفسها، عندما أصبحت تركض وراء الموضة وتعرض جسدها للإغراء، لأنها من خلال ذلك تمارس سلوكاً عنيفاً مع نفسها.
اعتقاد خاطئ
وأوضحت الدكتورة شعبان أن اعتقاد بعض النساء أن تحررهن الاقتصادي يحررهن على المستوى الشمولي والعام، هو اعتقاد خاطئ وغير صحيح، لأنه يجب أن يكون هذا الوعي متحرراً ومتقدماً ذهنياً في النظر إلى وضعية المرأة ومكانتها في المجتمع، حتى التحرر الاقتصادي للمرأة سيكون اضطهاداً جديداً بالنسبة لها، ما يعني أنها سوف تطالب بالصرف والإنفاق من دون أن تنال احترامها، أي سيصبح موضوع التحرر الاقتصادي لها عبودية أخرى.
وعن كيفية حماية المجتمع للمرأة من العنف، بينت الدكتورة شعبان أنها تتم عن طريق الوعي بالحقوق والواجبات والقوانين التي من خلالها يتطور الوعي الذي يبني فكراً ونظرة جديدة تجاه المرأة، والذي يجب أن تعمل عليه كل مؤسسات الدولة التي تعنى ببناء العقل، ومن أهم هذه المؤسسات هو الإعلام الذي تقع عليه بالدرجة الأولى مسؤولية تغيير الأفكار تجاه المرأة، إضافة إلى التربية والمناهج التي يجب أن تبتعد عن التمييز والسلوكيات التربوية وبناء فكر جديد.
تأنيث التعليم
وأشارت إلى موضوع “تأنيث التعليم” الذي يعني اعتماد المؤسسات التربوية على معلمات إناث في الحلقة الأولى والابتعاد عن المعلمين الذكور، وهذا يعني اعتماد سلوكيات تمييزية تقسم الأدوار وتعتبرها شيئاً جيداً، لأنه من هذا المنظور اعتبرنا المرأة هي التي تختص بالعاطفة والتربية والتعامل مع الطفل في هذه المرحلة أكثر من الرجل، الذي اعتبرناه بنفس الوقت يختص بالعقل والعلم، وهذا الكلام غير صحيح- بحسب الدكتورة شعبان- لأن هناك آباء يتعاملون مع أطفالهم بالمرحلة الصغرى والحلقة الأولى من حياتهم ويعطوهم من الحنان والعاطفة أكثر من المرأة ذاتها، لأنه أحياناً يكون لدى المرأة قسوة أكثر من الرجل.
وقالت: إنه يجب علينا كمجتمع أن نخرج من الدائرة الجنسوية التي تقسم على أساس الجنس، إلى الدائرة الإنسانية الأكثر فهماً وتقدماً، واعتبار أي “أن المرأة إنسان والرجل إنسان” لأنه أحياناً المرأة تتفوق على الرجل، والرجل أيضاً يتفوق على المرأة بقدراته إنسانية.
الذكاء العاطفي
وفي سؤال، لماذا المرأة أقدر على العطاء العاطفي من الرجل؟ كان الجواب: لأن المرأة أعطيناها العاطفة، وأبعدناها عن الرجل، وهذا يعني اضطهاد للرجل على المستوى الإنساني على أساس هو عقل وليس عاطفة، فعلى سبيل المثال إذا بكى الرجل أو أظهر حنيته وعاطفته، فإننا ننظر إليه على أنه غير رجل لأن تعبيره عن مشاعره يعتبر بنظر الكثيرين انتقاص من رجولته، لكن الرجل بالنهاية إنسان لديه جانب عاطفي وجانب عقلاني، لأن الذكاء العاطفي يتعلق بالإنسان عموماً، وليس بالمرأة فقط، وهو القدرة على التعبير وفهم المشاعر وتصنيفها.
وذكرت أيضاً: إن هناك علاقة تفاضلية دائماً بين الرجل والمرأة، فعلى سبيل المثال إذا تفوقت المرأة على الرجل وتميزت، نقول عنها إنها “أخت رجال”، فهي دائماً تلحق بالرجل، وأما الرجل الذي لا يستطيع فعل أمر ما فنقول عنه أنه مثل “النساء”، وهذا الكلام غير صحيح لأن كل منهما “رجل وامرأة” يجب أن يحقق إنسانيته بالشكل الأفضل.
نتائج التعنيف
وختمت الدكتورة شعبان كلامها بالحديث عن أهم آثار ونتائج تعنيف المرأة وانتهاك حقوقها، والمتمثلة بخلق مجتمع عنفي بامتياز على المستوى العام، أن الأم والزوجة والأخت والابنة المعنفة والمنتهكة حقوقها سوف تربي أبناءها بطريقة عنيفة، وهو ما سوف يساهم بخلق، “ثقافة عنفية” تبيح انتهاك الحقوق الإنسانية بشكل عام، وتالياً سوف يصبح من المستحيل الوصول إلى مجتمع إنساني حضاري ومتقدم تسود فيه العدالة الإنسانية والاجتماعية ونصفه عاجز ومعطل.