نفخ الزّجاج..التّراث السّوري اللامادي المدرج على قوائم التّراث الإنساني شيوخ الكار: حرفة تراثيّة موروثة عن آبائنا وأجدادنا

الثورة- عمار النعمة:
سورية تاريخ عريق من الحضارات المتعاقبة، أرض الصناعة والزراعة والمحراث الأول والأبجدية الأولى.
لسورية تاريخ طويل في صناعة نفخ الزجاج، وقد كتب الباحثون عن تاريخ هذه الصناعة الفنية، وتم افتتاح ورش الزجاج بطرق مختلفة، والأهم أن لدينا شيوخ الكار الذين مازالوا مواظبين على هذه الصناعة.
بمناسبة إدراج منظمة اليونسكو عنصر الزجاج السوري المنفوخ على قوائم التراث الإنساني، خلال اجتماع الدورة الثامنة عشرة للجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي اللامادي في بوتسوانا، ولاسيما أن نفخ الزجاج السوري التقليدي يعدّ العنصرَ السادس من التراث السوري اللامادي المدرج على قوائم التراث الإنساني بعد الصقارة والقنص، مسرح خيال الظل، الوردة الشامية، القدود الحلبية، وصناعة الأعواد والعزف عليها.

نشرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو” في موقعها على الإنترنت مقالاً عن حرفة نفخ الزجاج السوري التقليدي، وذكرت المنظمة أنّها حرفةٌ أصيلة لصنع مواد زجاجية باستخدام قطع من بقايا الزجاج، حيث يتمُّ وضع قطع من الزجاج داخل فرن من الطوب مصنوعٍ يدوياً حتى تنصهر، ويقوم الحرفي بلف الزجاج المنصهر حول قضيب معدني مجوف ثم بعد ذلك ينفخُ في القضيب حتى يمتلئ الزجاج، مستخدماً ملقطاً معدنياً لتشكيله بالشكل المرغوب، مثل كأس أو مزهرية أو مصباح أو قطعة زينة.
وشرحت المنظمة أن الأصباغ المسحوقة تُستخدم لتلوين الزجاج أثناء ذوبانه أو لتزيين الأشياء بمجرد تبريدها وجعلها صلبة، وأنه غالباً ما يتمٌّ رسم أو نقش رموز ثقافية على الزجاج، حيث يتميز نفخ الزجاج الدمشقي بالألوان المستخدمة وهي: الأبيض والأزرق والأخضر والقرمزي، إضافةً إلى الزخارف المطلية بالذهب.
صحيفة الثورة كان لها لقاءات مع شيوخ الكار للوقوف على أهمية هذه الصناعة، فقال محمد الحلاق الملقلب بأبي نعيم: إن نفخ الزجاج حرفة تراثية موروثة عن أبائنا وأجدادنا، وقد بدأت بها وأنا في سن التاسعة ثم أتقنتها عندما أصبحت بعمر 14 عاماً، أخذت بصنع قطعاً فنية في غاية الجمال، وحتى الآن استمر حيث أمضيت 52 عاماً من عمري في هذه المهنة.
وأضاف: نقوم بإحماء الفرن لمدة ٢٤ ساعة، ونضع الزجاج داخله بكميات قليلة، ونصنع يومياً شتى الأشكال والألوان من أباريق وأكواب مختلفة الأحجام والأشكال وقوارير ومزهريات الزينة وقناديل وحوامل شموع وثريات وعناقيد عنب، وغيرها من الأشكال وصولاً للتحف التراثية وبألوان مختلفة، مشيراً إلى أن الألوان الأساسية هي: الأبيض- الأزرق فيروزي- عسلي- أخضر- زيتي.. إلخ.
ويعتمد الحلاق على إعادة تدوير الزجاج المكسور كمادة خام لكونه أقل تكلفة مقارنة مع تصنيعه من المواد الخام- وتحديداً الرمل الذي يعد أعلى تكلفة- فضلاً عن سهولة إعادة تدويره والاستفادة من بقاياه.
ولفت الحلاق إلى أنه يتم بيع تلك التحف للبيوت والمطاعم.. مؤكداً تمسكه بالطريقة التقليدية التي تعلمها رغم التطور والتقدم التكنولوجي.
«آخر شيوخ الكار»
بدوره أحمد محمود الحلاق الملقب أبو محمود وهو آخر شيوخ كار صناعة “النّفخ بالزجاج وزخرفته” يعمل في محله المقابل لقوس باب شرقي في دمشق القديمة فيقوم بصنع المزهريات والفازات والكاسات، حيث يمد أنبوبه المعدني داخل بيت النار الشديد الحمرة والحرارة، ليلتقط فيه الزجاج المذوب الذي وضع في الفرن، مشيراً أنه بدأ في العمل بهذه الحرفة منذ ٥٥ عاماً.
ولفت أبو محمود الحلاق إلى أن الحرب على سورية كان لها تأثير كبير على هذه الحرفة، ولكنه تابع العمل هو وعائلته رغم الظروف الصعبة لحبه وتعلقه بها.
وعبر الحلاق عن سعادته بأدراج منظمة اليونسكو عنصر الزجاج السوري المنفوخ على قوائم التراث الإنساني، متمنياً إعادة الألق لهذه المهنة.