تعلو هامتها فوق الدمار وهول الفجيعة ويسقط القتلة في مستنقعات خيباتهم، تسمو فوق أنين أوجاعها لتتلو بيانات ثباتها الأسطوري أمام أعتى آلة إجرام، تبلسم نزيف جراحاتها بملح الأرض وتضمدها بالإرادة ..إنها غزة قاهرة الغزاة في معركتها المفتوحة على آمال التحرير، ملقنة العدو الغاشم ردود حزمها مقاومة باسلة، بعد توهمه أن ترسانة سلاحه الفتاكة ستنال من عزائم أبطالها وتفت من عضد صمود أهلها وأن جدران فصله العنصري ستمنحه أمناً.
يصب العدو فوق عذابات حصار أهلها حمم حقده ونار انتقامه من المكان العالق كالشوك في حلوق أركان حروبه، ولعنة انفجاره في كل مرة تلاحقهم في ليل هذيانهم بديمومة احتلالهم وبقاء كيانهم المصطنع.
فلم يزل طعم الهزيمة مراً في حلوق الاحتلال منذ 2014 وكابوس حي الشجاعية بغزة يلاحق إرهابييه إلا أن “فخ الموت” الذي أطلق على الحي المقاوم لقنهم هذه المرة درساً أقسى وأكثر إيلاماً سيحفر في ذاكرتهم عميقاً كجمرلا ينطفئ وغالانت وزير حرب الاحتلال الذي جاء متوعداً بالانتقام لهزيمة “نخبة النخبة” و”يقفل الدائرة” في إشارة للهزيمة الموجعة السابقة أبت غزة إلا أن تبقي دائرة مقاومتها مفتوحة ليذيق حي الشجاعية الصامد نخبة لوائه الإرهابي هزيمة أخرى بقتل 10 من ضباطه.
يمعن العدو بوحشيته انتقاماً لانكساراته فيئد طفولة يرى في عيونها عهود التحرير واندحاره، ينسف الأمكنة ليمحو ذكرياتها من حنايا مسنين شابت أعمارهم في اللجوء ولم يشب يقينهم المطلق بحتمية العودة والتحرير وبالمقاومة سبيلاً لاسترداد الحقوق.
أكثر من 18500 شهيد بالعدوان الهمجي المستمر على غزة، كل هذا الإرهاب الصهيوني الممارس على بقعة محاصرة صغيرة حجماً، كبيرة بالفعل المقاوم وإيلام المحتل، كل هذا الغلو بالإجرام وشعلة العزيمة لا يخبو وهجها وحب فلسطين وقاداً جيلاً بعد جيل لا تطفئه نكبات ولا تخمده مذابح ومجازر مهما زادت وحشيتها.
في المذبحة المرتكبة جهاراً في غزة لم يسقط الغرب المنافق في أوحال شراكته المعلنة بالجريمة فقط، بل سقطت معه شعارات حقوق إنسان زائفة لطالما غزا بذريعتها دولاً واستباح أمنها وسلام شعوبها، وفقد إعلان حقوق الإنسان العالمي معانيه لأن دول الغرب الاستعماري الموقعة عليه هي من تنتهك بنوده وتوصياته بازدواجية بغيضة.