الناس سوف يفرون من أميركا.. ليست هذه العبارة تنجيم أو قراءة في الفنجان السياسي للولايات المتحدة الأميركية بل هي دعاية انتخابية وآخر صيحات الموضة السياسية لرؤساء البيت الأبيض، الذين باتوا يطلقون تصريحاتهم على مبدأ الإثارة السياسية، وتقصد الوقاحة في طرح وتقديس المصالح الأميركية.
فالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بدأ يعلن ملامح خطابه الانتخابي، ويبدو أنه آتٍ ليمسح كل تواقيع الرئيس الحالي بايدن عن القرارات، وخاصة قانون الهجرة، لذلك قال إن الناس سوف يفرون من أميركا لأنه سيوسع حظر الهجرة لبلاده، ولكن التوقيع الوحيد الذي لن يتخلى عنه ليس فقط ترامب بل كل حكام البيت الأبيض من جمهوريين أو ديمقراطيين هو الإمضاء لإسرائيل بكامل العمى السياسي الذي تفضله الدولة العميقة في أميركا على انهيار حليفتها في الشرق الأوسط، والذي يعني انهياراً لمصالح أميركا أولاً، ولذلك قال ترامب بحسب صحيفة نيوزويك (إذا كنت تكره أميركا، إذاً كنت تكره إسرائيل فنحن إذاً لا نريدك في وطننا)! يبدو أن من شروط الجنسية الأميركية لدى ترامب ألا تكره إسرائيل!.
لذلك وأكثر تستمر واشنطن بدعم الحرب على غزة، بل إنها تخشى صمود المقاومة الفلسطينية أكثر من الكيان الصهيوني نفسه، بل هناك من يرى بأن اللطمات على وجه إسرائيل قد كسرت أسنان واشنطن في المنطقة، وقد تؤسس لمرحلة تتخطى فيها الدول العربية الحاجز النفسي الذي زرعته واشنطن، والقائم على فكرة أنها القطب العالمي الأقوى في الشرق الأوسط، وبأن السطوة لحلفائها أينما كانوا فكيف إذا كانت حليفتها الأقرب إسرائيل.. وكيف إن هزمت المقاومة هذا الحليف وبلت ذقنه الأمنية والعسكرية بطين الخسارة.. هذا المشهد لا تريد واشنطن أن يراه باقي حلفائها لذلك تسعى أكثر من الكيان الغاصب في الحرب على غزة، وتحاول تدمير هذه القطعة من فلسطين، بحيث لن تعود صالحة لسكن أهلها، فبهذه الطريقة وحدها تضمن أنها حققت جزءاً من سقف أحلامها السياسية، وتضمن أيضا أن سمعتها العسكرية هي أيضا في المنطقة لم تتضرر من ضربات المقاومة أينما وجدت قواعد واشنطن العسكرية وغير الشرعية.
فواشنطن التي تتلقى اللكمات من قوى المقاومة على قواعدها وتجمعاتها واحتلالها في سورية والعراق بسبب دعمها الأعمى لإسرائيل في الإبادة الجماعية تسعى لاستمرار الحرب على غزة من جهة، ولتحريك جيوب داعش الذي تدعمها في سورية والعراق في وجه المقاومة، ثم تخرج لتقول إنها تحارب الإرهاب، وهي تختزنه تحت ثياب التحالف الدولي وتسميات مكافحة الإرهاب، التي أثبتت أنها مجرد عناوين لاجتياح واحتلال البلدان، بحجة نشر الأمان والاستقرار، ولا توجد دولة دخلتها واشنطن إلا اشتعلت نيران الحرب فيها قبل الدخول وبعد الانسحاب.
الناس سوف يفرون من أميركا قد تكون عبارة ترامب الانتخابية، ولكنه بات العنوان الأنسب لحالة الإدارة الأميركية التي أثبتت أنها أكثر دموية من إسرائيل، وأنها لا تستحق أن تحمل حق الفيتو أو تجلس على مقعد في مجلس الأمن، فهي تساهم في خراب العالم وحرق الأنظمة الدولية، وتمزيق حقوق الإنسان في المشهد الذي نراه في غزة، والذي يثبت فعلاً أن العالم يفر من أميركا نحو قطبية متعددة هرباً من القطب الأميركي المتوحش.