الثورة – دمشق – فاتن دعبول:
احتفى مجمع اللغة العربية في دمشق باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف في 18 كانون الأول، وهو اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يقضي بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.
ذاكرة الأمة وسجلها التاريخي
وشارك في الندوة التي أقيمت في قاعة محاضرات المجمع عضو المجمع الدكتور مازن مبارك، والذي بين أن اللغة العربية هي أطول اللغات عمراً، وأكثرها قدرة على إنتاج المولّد والمشتق، وهي في الآن نفسه ذاكرة الأمة العربية وسجل تاريخها.
وعندما يكتب الأديب نصا، تكون اللغة صورة لإبداعه ووعاء لأفكاره، وكأن ما على اللسان من مفردات وأصوات هو مرآة لما في الأعماق الإنسانية من مشاعر وأفكار، فالفكر المشترك والثقافة الواحدة تطبع الناطقين بها بطابع واحد في الفكر والثقافة، وهو الطابع الذي يوحد الأمة في الشعور والفكر والثقافة، وهو الطابع الذي يعبر عن شخصية الأمة وهويتها وثقافتها، ويبقى حارسا لوحدتها، لكن هذا الأمر يدعو بعض ضعاف النفوس إلى هجرها والتوجه إلى العامية، لذلك دعت المجامع العربية إلى وجوب استخدام الفصيح في الكتابة وفي الإعلام للصغار والكبار على حد سواء، لتكون هي المدرسة التي يتخرجون منها وتألفها ألسنتهم، ولتكون هي الجنسية التي ينتسبون إليها ويعتزون بها.
وأضاف: إن وحدة اللغة هي آخر ما تبقى للعرب من عناصر وحدتهم، بل هي الهوية الثقافية المعبرة عن روح الأمة وشخصيتها، لذلك يجب أن نقتحم بها الميدان العلمي وأن نجعلها لغة للعلم، لأن الابتعاد عنها بحثا وتأليفا وتدريسا هو وأد لشبابها وكتم لطاقاتها.
ويخلص الدكتور مبارك إلى القول: إن اعتصامنا بلغتنا هو واجب ديني وقومي وسياسي، فإذا فرطنا بلغتنا تشتت شملنا، والتاريخ يشهد بصدق هذه المعادلة، فكم من أمة ضاعت لغتها، فتشتت الناطقون بها وضاعوا.
ولغتنا هي صورة لواقعنا وتواكب مسيرتنا، ننهض بنهوضها ونكتب العلم بها، والأمل اليوم أن تعود أمتنا إلى إنتاج العلم وكتابته بلغتنا، لتكون اللغة العربية في الوطن العربي ناطقة بالعلم وفروعه كما تنطق بالأدب وفنونه، وذلك يتم بتضافر جهود الحاكم والعالم واللغوي، ورافقت تلك الجهود الهمة والعزيمة والإخلاص.
جهود جبارة
وتحدث عضو المجمع مروان البواب عن جهود مجمع اللغة العربية بدمشق في المعاجم المصطلحية، وبين أن ثمة تبايناً كبيراً في المصطلحات العربية بين مشرق الوطن العربي ومغربه، وبين الجامعات في البلد الواحد، وبعضهم يتخذ المصطلحات الأجنبية ويعرض عن استعمال مقابلاتها العربية بدعوى عدم الاتفاق على هذه المقابلات.
وأوضح أن ثلاث جهات عملت على وضع المصطلحات العربية وتوحيدها، أولها المكتب الإقليمي لشرق المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية، الذي أصدر “المعجم الطبي الموحد”.
والجهة الثانية كانت مكتب تنسيق التعريب في الرباط، حيث قدم سلسلة من المعاجم الموحدة بلغ عددها 54 معجما مصطلحيا في مختلف العلوم، وكانت الجهة الثالثة معهد الإنماء العربي في لبنان الذي أصدر” معجم مصطلحات العلم والتكنولوجيا” وتجاوز عدد مصطلحاته مئة ألف مصطلح.
أما دور المجمع فقد بذل أعضاؤه جهودا جبارة وما يزال الاهتمام مستمرا في شؤون المصطلحات العربية، وضعاً وتوحيداً، ومن هذه المعاجم، معجم الألفاظ الطبية وأعلام الأطباء الذي شارك في تأليفه مرشد خاطر، كما شارك عز الدين التنوخي في ترجمة المعجم الكندي العسكري، وألف مصطفى الشهابي معجم الألفاظ الزراعية وغيرها من المعاجم الكثيرة التي ألفها أعضاء المجمع حتى أواخر القرن الماضي.
كما عمل المجمع على توحيد المصطلحات العربية بين الجامعات السورية، وصدر عنه العديد من المعاجم مثل معجم مصطلحات الفيزياء ومعجم ألفاظ الحضارة، ومعجم مصطلحات الكيمياء والرياضيات والعبارات الاصطلاحية في اللغة العربية المعاصرة.
وهناك العديد من المعاجم قيد الإنجاز، ويقوم منهج المجمع في توحيد مصطلحاته العربية بين معاجمه على مبدأ واحد لواحد، فلكل مصطلح أجنبي مقابل عربي.
وفي نهاية الندوة قدم أحمد بوبس قصيدة من وحي المناسبة بعنوان” لغة العروبة”، تبعها بعض المداخلات التي تؤكد على أهمية اللغة العربية ودورها في حفظ التراث والهوية العربية.