سعد القاسم
يملك الفلسطينيون أرشيفاً غنياً من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي تتحدث عن قضيتهم، مع أنه لا تتوافر لهم فرصة حقيقية لإنتاج مثل هذه الأعمال، بحكم وقوع بلادهم تحت الاحتلال الصهيوني، من دون أن تخرج عن هذه الحال حتى المناطق التي تدار من السلطة الفلسطينية، أو قطاع غزة.
فعلى الرغم من توقيع اتفاقيات السلام بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل)، قامت الأخيرة بتدمير أو مصادرة معظم المؤسسات التلفزيونية التي يمكن أن تقوم بإنتاج الدراما التلفزيونية، أو الأفلام، وما أنتج من أفلام (في السينما خاصة) صنع داخل أراضي فلسطين التاريخية التي استبيحت عام 1948، ومن قبل سينمائيين فلسطينيين ما زالوا مقيمين فيها، على الرغم من كل محاولات إبعادهم عنها، الذين يطلق عليهم إعلام العدو اسم (عرب إسرائيل)، ويشجع مشاركة أفلامهم في المهرجانات العالمية لأسباب سياسية وإعلامية لا تخفى على العارف بالفكر الصهيوني، وهي أفلام نادرة بكل الأحوال، فمن أين إذاً جاء ذلك الأرشيف الغني آنف الذكر؟
إنه بكل وضوح أرشيف فني أنتج في سورية بوساطة كتّاب ومخرجين وفنانين وفنيين سوريين، وفلسطينيين مقيمين في سورية، مع بعض الاستعانة بنصوص كتّاب فلسطينيين من خارج سورية، وقد ترجم حضور فلسطين في الدراما التلفزيونية السورية حقيقة حضورها الواقعي بالنسبة للسوريين، بحكم التواصل التاريخي بين سورية وفلسطين، وإيمان السوريين العميق بعدالة القضية الفلسطينية، إضافة إلى إدراكهم الأخطار الكبيرة التي شكلها، ولا يزال، إقامة الكيان الصهيوني على الواقع والمستقبل العربي عموماً، والسوري ضمناً.
أدى هذا الحال إلى ظهور فلسطين في كل الأعمال التلفزيونية التاريخية السورية المعاصرة، حتى لو لم يكن موضوعها القضية الفلسطينية بشكل مباشر كما كان الأمر، على سبيل المثال، في مسلسل (حمام القيشاني) الذي كان محوره الحياة الاجتماعية في مدينة دمشق خلال القرن الماضي.
فيما يمثل مسلسل (عز الدين القسام) واحداً من الأعمال الدرامية التلفزيونية السورية التي تناولت القضية الفلسطينية بشكل مباشر، من خلال قصة حقيقية بطلها الشيخ عز الدين القسام الذي قدم من سورية إلى فلسطين ليقود بعد ذلك أولى حركات المقاومة ضد العصابات الصهيونية، وقوات الانتداب البريطاني التي كانت تقدم الدعم القوي لها، وقد شجع الشيخ عز الدين القسام المواطنين الفلسطينيين على التصدي للمؤامرات الصهيونية والبريطانية, وقاد بنفسه الكثير من العمليات إلى أن استشهد في إحدى المعارك عام 1935.
وعن رواية الشهيد غسان كنفاني (عائد إلى حيفا)، وبالاسم ذاته، أنتج مسلسل يحكي قصة أسرة من حيفا أجليت قسراً عنها من دون أن تتمكن من اصطحاب طفلها الرضيع الذي بقي في منزل أسرته لتتبناه بعد ذلك أسرة وافدة سطت على بيت أسرته، وعلى خلفية علاقات اجتماعية متبدلة يعرض مسلسل (التغريبة الفلسطينية) قضية الشعب الفلسطيني في مراحلها التاريخية وانعكاساتها الاجتماعية، مسلطاً عين الكاميرا على النضال الطويل الذي خاضه الشعب الفلسطيني ضد عدو يفوقه عدة وعدداً، وفي الآن ذاته في وجه واقع حياتي مرير تسببت به هجرته القسرية من بلده.
هذا الحضور الواضح للقضية الفلسطينية في الدراما التلفزيونية السورية، يؤكد قوة حضورها في المجتمع السوري.. وفي ضمير الشعب السوري، الذي اعتبر على الدوام أن قضية فلسطين هي قضيته، فقدم لها دمه وجهده وماله وأدبه وفنونه.
ومنها الدراما التلفزيونية.. ومنها السينما.. وسيكون لنا معها وقفة قادمة.