اعتادتْ أن تُطلق تسمية “شغل” على كل مهمّاتها اليومية التي تقوم بها.
“عندي شغل” أو “مشغولة”، عبارات تنطقها لتوصيف لحظات يومها.. وبالطبع تشتمل على القيام بعملها/مهنتها التي تحبّ.
لدى قراءتها لما كتبه الفيلسوف الفرنسي (بيير فورمي) في مقالته عن “الشغل” متسائلاً: (إذا فكرنا في الأمر مليّاً فمن الصعب ألا نرى العمل كعقوبة يومية، فهل العمل جيد إذاً؟).. مارستْ نوعاً من الانزياح لمعنى العقوبة بعيداً عن العمل، لتلصقها بتلك المهمات اليومية التي، تبدو لها، لا تنضب..
كلا الحالين يستنزفنا من وجهة نظر الفيلسوف ورجل الأعمال “أندرو تاغارت” الذي بدوره أعدّ تقريراً عمّا يفعله بنا العمل، الذي وصفه “بالشامل” استناداً إلى ما ذكره الفيلسوف الألماني “جوزيف بيبر” في كتابها (الترفيه: أساس الثقافة ) معرّفاً، أي بيبر، العمل الشامل بأنه عملية تحويل البشر إلى مجرد عمالٍ ولا شيء آخر غير ذلك.
ما يحذر منه “تاغارت” هو أن تتحوّل كل ممارساتنا اليومية، حتى الاحتفالات واللعب، إلى مجرد عمل.. حينها تنتشر ثقافة “العمل الشامل” ونصبح محاطين بأشخاصٍ ليس في أذهانهم سوى ممارسة العمل والقيام بمهمة يؤدّونها.
أفكار هذين الكاتبين أعادتْ إلى ذهنها الكثير من الأشخاص/الأصدقاء الذين تعرفهم، وتحوّلوا إلى مجرد آلة تنتج ما تعتقد أنه مفيد لغيرها..
فكيف ننتج ما هو مفيد، أولاً، لأنفسنا.. قبل غيرنا، حتى ندرك حقاً معنى “المفيد” للآخر دون أن يستنفد فرصه من كونه “ممتعاً”..؟
وهل شرط “المتعة” هو الذي يسقط توصيف “العقوبة” عن الشغل..؟
برأي “تاغارت”.. العمل الشامل يمنعنا من أشكال التأمّل المرحة، ويجعلنا نخسر الإحساس بالجمال الناتج عن الفن وفرحة الحبّ ودهشة الفلسفة لأنها (أشياء تتطلب الصمت والسكون والرغبة الصادقة بمجرد التفكير).. وبالتالي نفتقد “إمكانية شعورنا بالمعنى”.. وهو ما كانت تشعر به حين اقترابها من أولئك (المنشغلين) بلهاثٍ ضائع في وهم الإنجاز.
“الافتقار إلى المعنى” يشعرها بحضور منطفئ.
أفكار (فورمي وتاغارت) جعلتها تستحضر كل من كان مختبئاً في حياتها تحت ستار الشغل الدائم/الانشغال الوهمي.. وكم قاربوا “اللامعنى” في عدّاد لحظاتها..
لكن المهم.. كيف نستخلص المعنى من الاستهلاك المضني للشغل.. للاشتغال.. للانشغال طوال الوقت..؟
لطالما اعتقدنا أننا بملء وقتنا (انشغالاً واشتغالاً) نرضى عمّا نحن فيه.
فغالباً، ما نحتاجه من كلّ ما نمارسه سواء في أعمالنا أو مهماتنا اليومية، المحافظة على هامش من (استرخاء، تأمّل) يُعيد ترتيب صفات الإنسان داخلنا..
هل نتمكن من تحقيق ذلك في ظرف “الآن وهنا”..؟