الثورة – رفاه الدروبي:
المجموعة القصصية “أوراق الحب” للكاتبة جهينة شبوع نسجتها بأسلوب سلس دافئ ووجداني، فبدت أنسنة المكان بمفرداتها وصدق تعبيرها وعفويتها، وغلب عليها ألفاظ مستقاة من طبيعة بلدتها المنتمية إليها ربلة المتَّكئة على ضفاف العاصي المنساب عبر أراضيها فحباها مناظر خلابة لتعكس نفسية الكاتبة عذوبةً ورقةً، تاركةً فسحة تأمُّل بالصورة والتراكيب بأسلوب متميز ومثير.
القاص والروائي عماد نداف أكَّد أنَّ المجموعة القصصية لجهينة شبوع واحدة من المجموعات الجديدة تحمل هوية جديدة مفيدة في القص السوري واسمه الحب، حبٌّ توزع على الوطن والأسرة والإنسان وكوني قارئاً اطلعت على المجموعة، فوجدت أنَّ القراء والكتّاب بحاجة إليها، ومجموعة جهينة القصصية تأتي بعد روايتها “أصل الحكاية، حكاية حب” ترتقي لأن تصبح إحدى الكاتبات السوريات المميزات.
أمَّا الكاتب والناقد محمد الحفري فأشار إلى أنَّ المجموعة القصصية “أوراق الحب” الموقَّعة في ثقافي أبي رمانة عبارة عن رسائل خطتها الكاتبة جهينة شبوع بعد روايتها “أصل الحكاية، حكاية حب” وقال بداية تقديمه لها: إنها موشومة بخفقان القلب الراكض نحو انتشال الماضي من كمونه وسكونه بعبق الذكرى الحائمة من دون توقف في خلد مؤلفتها وتحاول أن تعيده من خلال سكبه من روحها فوق الورق.
كما أشار إلى أنَّ تلك الرسائل الشفيفة بحملها مضامين المجموعة فيها الكثير من معاني الحبِّ السامية، وفيها ذلك الدفء الذي نحتاجه أحياناً من القص وتلك العفوية الصادقة، إضافةً إلى البراءة. ما من إبداع من دونها، كما يؤكِّد الكثير من أهل الإبداع لكنَّه يميل مع التيار ذاته، ما يؤكِّد على براءة الإبداع من دون الوقوف ضد التيار ويُقنع بالحيل السردية وتنوّع الأسلوبية وفكر الكتابة، وأضاف إلى أنَّ تضافر نصوص المجموعة تُشكِّل شجرة وارفة الظلال تتدلَّى أغصانها حاملةً ثمار الحبّ والحنين، وبكلتيهما لم تغادر بعد مدارج الطفولة ومراتع الصبا ويتمثَّل ذلك في بحثها عن جوارب العيد بعد أن افتقدتها في زمن كتابتها للنصوص ذاتها، والحقيقة أنَّ ذلك الفقد لا يعني البضاعة في حدِّ ذاتها لكن للنص دلالة أخرى ورمزية عالية في قصتها تحمل عنوان جوارب العيد كي تعبِّر عن فقد الأم وحنانها وحرصها على الأبناء وترمز إلى الفراغ والبرد الفاتك حلَّ من بعدها، لافتاً إلى ذكريات تستخرجها من عمق الوجدان والحنين سالفةً في قصة الدمية على سبيل المثال حيث تصف معلمتها بدايةً ثم أوضح الناقد بأنَّ الكاتبة جهينة تشتغل على تلك المنمنمات الوجودية القلقة وتستحضر من أحبتهم كما في النص الأخير من المجموعة القصير في حجمه والكبير في معناه، وتبدو مثل غيومها البيض وتحفر الأسماء فوق الورق وعلى شجر القلب، كي تزهر مع الحروف الباهية في ليلة فرح، موجِّهةً خطوط لوحاتها إلى مواضع شتى ومطارح كثيرة تهزُّ أعماقنا، ولا نغفل عن تلك اللحظات الحرجة والصعبة المارَّة على المرأة كما في قصتيها “بيت العروس” و”زهرة البيت”، وما يجدر التنويه إليه أنَّ ثمَّة مكاناً يحتلُّ كيانها، ويسطو عليه، ويتفرَّع إلى أمكنة أخرى لصيقة بروحها وبدت لنا وكأنَّها تريد أن تستنطقها وتثبت فيها ذلك النبض المتماذج مع الحياة والبركة، وتروم أن تنسج تلك اللوحات الرائعة لنصوصها بالحبق المعطَّر بالليلك والشبِّ الظريف وأزهار الجنان الحمر وغيرها كي يبدو منظرها أكثر بهاءً وفتنةً.
بدوره الدكتور عبد الله الشاهر أكَّد أنَّه يُجلُّ هؤلاء مَنْ يعرفون الحب أن تكون محبَّاً، ما يعني أنَّك أنسنة حياتك وأبرزت مساراتك. الإنسان لا يرمي من البشرية إلى الإنسانية إلا بالحب، ويكون الوجودي كله محكوماً بالحب، فالحب فضاء ونقاء وسمو وبه نعني ذاتنا ونكتشف قدراتنا، وبين حلم وذاكرة بعيدة تعيش جهينة شبوع في مجموعتها القصصية أوراق الحب عنواناً اختارته لمجموعتها.
بينما فردت أوراقها وباحت بما لديها من لواعج حبٍّ تنوَّعت مناهله وتعدَّدت أشكاله فهل نجد عند جهينة الخبر اليقين كي تبوح لنا بالحب الدفين لمجموعة قصصية صادرة عن دار توتول بمئة وثلاث صفحات من القطع المتوسط، ويعتقد الدكتور الشاهر أنَّ القاصَّة تكلَّمت كلام بوح وحنين وصل إلى مرتبة ومن يصل إلى مرتبة الحب يرقى.
أمَّا الغلاف فكان جميلاً واختياراً موفقاً وقلب حب مُطوَّق بأزاهير حمراء على مساحة زهرية، وأتى عنوان المجموعة باللون الأحمر ليدلَّ على حالة وجد واشتغال من الناحية البصرية فحقَّق الهدف منه وأوفى بالمضمون، فيما أتى الإهداء جميلاً إلى الأم والوطن والأحبة والإنسانية فالقاصة تعني أنَّ الحب إنسانية.
تصدر المجموعة بتقديم جميل ودافئ للروائي والقاص والمسرحي الكبير محمد الحفري ما أضاء عليها إضاءة وافية حملت رؤيته ودفء قلبه، كما حمل المضمون في البنية الفنية السرد بصفة الغائب والحديث عن الماضي وكان العقل الماضي مسيطراً رافقه وصف عالي السقوف لحالات وشخوض القص، وأضافت إحساسها الطاغي على النص فامتلك زمام لغة اتسمت بالبساطة والعفوية ما يناسب موضوعاتها في الحب.