رفاه الدروبي
إنَّه الشاعر أكرم صالح حسين ابن بيئة ريفية انتمى إليها؛ ولم يعش في كنفها، لكنَّ ارتباطه ارتباطاً وثيقاً بمدينة دمشق جعله يقيم فيها، إذ أحبَّها واستنشق هواءها فأصبحت معشوقته باعتبارها احتضنت طفولته وريعان شبابه. دائماً وأبداً يشعر بالانتماء إليها، وكثيراً مايُحدِّثها عن قهره؛ وفرحه، وعشقه، وجنونه، ويرى أنَّها أمه, كما كانت «سامية» أمه, إنَّه سوري الدماء، فلسطيني العشق والروح ولا يرضى عنها بديلاً طال الزمن أم قصر، ومن يقرأ له سيجد أنَّها موجودة معه في الكثير من أشعاره حتى وإن كان ذلك بالرمز والايحاء.
توءم روحه
إنَّه عضو في الاتحاد العام للكتَّاب والصحافيين الفلسطينيين، يرى نفسه قريباً من ذلك النَّفَس المقاوم حين يحمل هموم الوطن والقضية الفلسطينية العادلة، فبقي مواظباً على نشاطات الاتحاد، والمشاركة في فعالياته المتعددة.
أحبَّ الشاعر الحسين الكتابة والشعر لدرجة أنَّه كان ينسى نفسه تماماً حينما يُمسك كتاباً أو ورقة أو قلماً. كتب الشعر منذ زمن بعيد. لايذكر تماماً عدد السنين المارَّة عندما بدأ يحاول الكتابة، ولم ينسَ يوماً القراءة كونها المرادف الأول لكلمة كتابة، فنظم الشعرالعمودي والحر «التفعيلة»، وكتب القصة القصيرة، كما شارك بفعاليات كثيرة مختصَّة بالأدب الوجيز؛ لكن النثر كان الأساس فقد وجد نفسه من خلاله، وذكر في أكثر من مكان تأثُّره بشعراء الحداثة، فاستطاع بعد مئات التجارب إيجاد وجهه الخاص، وأسلوبه المعروف، لذا شارك في المراكز الثقافية والمنتديات والمهرجانات ومنصّات التواصل الاجتماعي مع الأدباء والشعراء حتى تمكَّن من طباعة ديوانه الأول «ظلال متعبة» عام ٢٠٢٢.
أعماله
كان لديوانه الأخير أصداء جيدة، وبداية انطلاقة حقيقية في عالم الأدب، وألحقه بعد أكثر من سنتين بديوان «مغلق أنا» بكلِّ ما يحمله من خصوصية، فاتحاً أبواباً جديدة باعتباره كتب معظم قصائده أثناء جلسات الأصدقاء من أدباء وشعراء، ثم عرضها عليهم في نهاية العمل، لأنَّ الدفقة الشعرية لوحدها لا تكفي للنص، وتحتاج بعد اكتمال القصيدة إلى فنيَّات لإعطاء الشكل النهائي لها. بينما ديوانه الثالث «كمأة»، نظم معظم قصائده بعد إكمال «مغلق أنا» منذ سنة، وتتضمن حالات وجدانية عالية على الإنسانية، فالكمأة عبارة عن نبات فطري ينمو من ومض البرق المتلاحق بالرعد فيحرك العقد الفطرية، كما رأى أنَّ الرابط بين النبات والشعر ومضة القلب حين تضرب شغافه ليزهر الحبُّ، كونه يبقى كالهواء يحيا به ولا يملك أمامه طريقاً للهروب لأنَّه فطرة الإنسان مهما كانت حالته أو مكانته. وأول حالاته تشبُّثه بالطبيعة بكلِّ ما فيها من روح. وكثيراً ما كانت موجودة بين سطوره وقصائده كونها تمدُّه دائماً بالجمال والصفاء ويعتبرها صديقته وأمَّاً لروحه، مستدركاً حديثه بالعودة إلى ماخطّته يمينه من أنَّ في جعبته الكثير لما كتبه لايزال قابعاً بين أوراقه في الأدراج، منتظراً الوقت والظرف المناسبين للظهور، ومنها مجموعة قصصية حاملة عنوان: «أحاديث جانبية» تنتظر الطباعة.
الكتاب رحلة
غذّى الشاعر أكرم موهبته بقراءة الكتب، ومازال يُقلِّب صفحاتها المتنوِّعة والكثيرة، فلا ينتهي من رحلة في كتاب حتى يبدأ رحلة جديدة، ويعود في كثير من الأوقات لكتب قديمة محاولاً استعادة ما تفقده ذاكرته من معلومة هنا أو نص هناك ، وخَبِرَ أصدقاءه المقرَّبين نهمه الشديد للقراءة والتعلُّم، فنبت بينهم تلاقح أفكارغذّوها ببديع الكلام وقوة الألفاظ وعميق المعنى فأنشد في قصيدة عنوانها «شآم ؟»
صباحاً جاءَ المطر يبللُ وريقاتِ جسدي،المنكهة بالشمس يداعبُ أنفاسي بحنوّ يهللُ للنوافذِ المتعبة ،يراقصُ أغصانَ الضجر أزهار العمر الجافة على حائطِ الذكريات..
صباحاً أنتظر الخيوط المكتظة بالفرح لتطرقَ وجهي المتشح بالأحلام والكوابيس،على جدارِ الوحدة أعلقُ مابقي من هلوسات أسحبُ أنفاسَ السجائر أنفثُ في الفراغِ رئتّي المتشنِّجة وشفاهي الحمقاء..صباحاًأعلقُ الآمالَ فوقَ عقارب الساعات أمنحُها القليلَ من الدموعِ والأساطيرواشتهاءِ الفرح ،شوارع فارغة تلتهمُ جسدي الهزي لرحلة أتأبَّط فيها المتاهات معلناً للوقت ذبولَ الحلم..صباحاًأرتدي صوتكِ المرهق أعلن النهارأزيح عن كاهل المفردات شبحَ الهزيمة أكتبُ في دفاتري عناوين الأشياء والأمكنة والقبلات وأمضِ..صباحاً أسابقُ هزائمي نحوك أمزِّقُ حنينَ السفر، الموانئ وأعلنكِ موطن اللجوء الأخير..
لكنَّ أحزان الشاعر لا تنتهي لأنه مخلوق يتفرَّد بإحساسه عن سواه كونه يعيش حالات متعددة ومختلفة من خلال تعامله مع الأشياء والأحداث المارَّة به، لذلك يمكن أن يراه البعض شخصاً عادياً في طريقة التعاطي مع مَنْ حوله، لكنَّه يبقى أسير خياله الواسع وبحثه الدائم عن تفسير مايدور حوله والتنبؤ بما يمكن أن يأتي، فالشاعرإنَّما يعتبرحالة غامضة حتى لا يستطيع إدراكها، فنظم قصيدة عن طوفان الأقصى عنوانها لمن الحذاء:
الصمتُ يصرخُ باكياً
هيا أتركوه
يحتاجُه طفلٌ ليكملَ دربَه
يحتاجُ أنْ يسرعَ قليلاًعلهُ يحظى بثوب للعبادة ..
القبرُ بئرٌ واسع والحُرُّ يدفنُ رأسَه أرأيته هو…ها هناك بالقربِ من ذاكَ المُضرَّجِ والمُكلَّلِ بالإرادة ..
هذا حذاء العيد..كنت تركته بالقربِ منك وسادتي لكنَّني أحببت أن أخطو به في يوم عيد خطوتي نحوَ الشهادة..
لمَنِ الحذاء،أكانَ للطفلِ اليتيم مازالَ ينتظرُ الصباح ماكانَ يعرفُ أنَّه قد ضاعَ حلمُه مرغماً فوقَ الوسادة..
الأنا الجمعية
الأمل موجود في كلِّ حرف يكتبه رغم ثوب حزن ترتديه بعض القصائد، ولا يجد له علاقة بالأمل إنَّها حالة وجدانية نعيشها في كثيرمن الحالات والمشاهد نراها في وطننا وأرضنا المنتمين لها، ويكون الحزن مرافقاً للحبِّ، لكن يبقى الأمل شعلة لا تنتهي، ويفقد الإنسان مع نهايتها الرغبة في متابعة الحياة، رغم أنَّه يحبُّ الحياة ويحاول أن يعيشها بكلِّ حالاتها بينما تكون الحوارات الداخلية متعددة الضمائر، لكلِّ نصٍّ ضميره الخاص، وغالباً ليس من يغرقون في الأنا، وإن كان ضميرها موجوداً إلا أنَّه يحمل الجمعية بكلِّ ما فيها من انفتاح على الآخر والتحدُّث باسمه.