الثورة – عمار النعمة:
تمر هذه الأيام ذكرى رحيل الأديب الفرنسي الشهير ألبير كامو، وهو أحد الفائزين بجائزة نوبل في الأدب وصاحب الروايتين المعروفتين الغريب والطاعون.
رحل كامو عن دنيانا عام 1960 إثر حادث سيارة عن عمر يناهز 46 عاماً، وهو الذي تجسدت أفكاره من خلال كتابين الأول: أسطورة سيزيف الذي صدر عام 1942، والثاني: المتمرد الصادر عام 1952، وكما هو واضح من عنواني الكتابين، فهناك فكرتان أساسيتان لدى ألبير كامو وهما العبثية والتمرد.
يتخذ كامو من أسطورة سيزيف رمزاً لوضع الإنسان في الوجود، وسيزيف هو الفتى الإغريقي الأسطوري الذي قدّر عليه أن يصعد بصخرة إلى قمة جبل، ولكنها ما تلبث أن تسقط متدحرجة إلى السفح، فيضطر إلى إصعادها من جديد، وهكذا للأبد.
وكامو يرى فيه الإنسان الذي قدر عليه الشقاء بلا جدوى، وقُدّرت عليه الحياة بلا طائل، فيلجأ إلى الفرار، إما إلى موقف شوبنهاور: فطالما أن الحياة بلا معنى فلنقض عليها بالموت الإرادي أو بالانتحار، وإما إلى موقف الآخرين الشاخصين بأبصارهم إلى حياة أعلى من الحياة، وهذا هو الانتحار الفلسفي، ويقصد به الحركة التي ينكر بها الفكر نفسه ويحاول أن يتجاوز نفسه في نطاق ما يؤدي إلى نفيه، وإما إلى موقف التمرد على اللامعقول في الحياة مع بقائنا فيها غائصين في الأعماق ومعانقين للعدم، فإذا متنا متنا متمردين لا مستسلمين.
ولد كامو في السابع من تشرين الثاني عام 1913 م في مدينة درعان، لأسرة فرنسية استوطنت الجزائر حيث درس ونال شهادته الجامعية في الفلسفة عام 1935م، بعد مرحلة طفولة امتلأت فقراً وحاجةً.
أصيب بمرض السل عام 1930م، ما منعه لاحقاً من الانضمام لصفوف القوات الفرنسية أثناء الحرب.
عندما بدأت تتبلور رؤاه السياسية الفكرية انتسب للحزب الشيوعي الفرنسي عام 1935، بدافع مساندة الوضع السياسي في اسبانيا، وللنضال ضد عدم المساواة مابين الفرنسيين والمواطنين العرب في الجزائر، في تلك الأثناء دعم كامو نشاط حزب الشعب الجزائري، وهو ما ولّد جفاء بينه وبين أصدقائه، والنتيجة كانت انسلاخه عن الحزب عام 1937م، معلناً ارتباطه بالحركة الفوضوية الفرنسية، آمن كامو أن لا مبرر لوجود الكاتب إلا إذا قبل خدمة قضيتين تشكلان شرف مهنته (الحقيقة والحرية).. آمن وطبّق.
قبل انتقاله إلى فرنسا كتب لجريدة (الجمهوري الجزائري) الاشتراكية ناقش فيها صعوبة حياة الفلاحين وظروفهم السيئة، فأبعد عن وظيفته.
عاش كامو العزلة لعامين بعد انتكاسته في مرض السل عام 1949م، نشر أثناءها كتابه (الثائر) يشرح فيه، فلسفياً، معنى التمرّد والثورة، أثر الكتاب على علاقته بسارتر فخلافهما وصل الذروة عندما أعلن كامو انفصاله عن الحزب الشيوعي.. فأرسل إليه جان بول (هناك أشياء كثيرة تربط بيننا، وأخرى قليلة تفرّق بيننا، ولكن هذه الأشياء القليلة بالغة الخطورة بحيث أصبح من المستحيل أن نلتقي).
ظل كامو صاحب فكر فريد، بسبب فهمه الخاص لما يجري حوله، ولمواقفه الجريئة الواضحة أعلن اعتراضه على القنبلة الذرية في هيروشيما.
ذات يوم وبمناسبة ذكرى رحيله عرض عبر القناة الفرنسية الثانية “فرانس 2” فيلم بعنوان “بين العدالة وأمي أختار أمي”، لم يعرض من قبل يتناول حياة الكاتب الشهير ومساره السياسي خصوصاً ما يتعلق بالجزائر، حيث عاش منذ ولادته في 1913 حتى 1940 واستقراره في باريس.
بين العدالة وأمي أختار أمي
“كامو” هو عنوان الفيلم، وهو من إخراج المخرج الصحفي لوران جاوي، تم تصويره في بلدة “تراسكون” قرب مرسيليا، جنوب فرنسا، ويسلط الأضواء على السنوات العشر الأخيرة للكاتب، ولاسيما سنة تتويجه بجائزة نوبل للأدب في 1957 عن كتابه “الغريب”، ويستحضر العراك الكلامي الذي جرى بينه وبين صديقه الفيلسوف الفرنسي اليساري جان بول سارتر بعد مقولة كامو الشهيرة “إن كان لدي الخيار بين العدالة وأمي لاخترت أمي”.
في خمسينيات القرن الماضي عرف عنه العمل لحماية حقوق الإنسان، سجلت له مواقف لا تنسى، منها:
رفض إتمام عمله في اليونسكو عام 1952 م لدى قبول الأمم المتحدة عضوية إسبانيا تحت قيادة الجنرال فرانكو.
ناصر دائماً العمال،في عام 1953 م انتقد أساليب القمع التي استخدمها الاتحاد السوفييتي لإيقاف إضراب العمال في برلين الشرقية ومواقف أخرى كثيرة.
“حارس المرمى”
مارس كامو كرة القدم، كان حارس مرمى في فريق شباب الجامعات الجزائرية لمدة عامين (1928-1930م) توقف عن اللعب في عمر السابعة عشرة بسبب المرض.
أحب الرياضة لأنه رأى فيها تعبيراً واضحاً عن روح الفريق، وقال مرّة: (ما أعرفه عن الأخلاق أدين به للرياضة) قاصداً أخلاقيات التشكّل السلوكي الأولى لدى المرء.
دخل صاحب روايتي “الغريب” (1942) و”الطاعون” (1947) الشهيرتين، تاريخ الأدب والفكر من بابه الواسع عام 1957 عندما أصبح ثاني كاتب من جيل الشباب يدون اسمه على لائحة جائزة نوبل للآداب، وبرحيله في ظروف مأساوية، يبقى ألبير كامو الكاتب الذي لم يعش طويلاً مقارنة بأسماء المتألقين الآخرين في جائزة نوبل للآداب.