الثورة – رانيا حكمت صقر:
في عالمٍ يئن تحت وطأة الهموم، تبرز أصوات تُمسك بمرآة السخرية لتعكس آلامنا بصورة تجعلنا نضحك لننسى، أو ربما لنفهم.. من بين هذه الأصوات الواعدة، تُطل الشاعرة ضحى سيف الدين بقصائد ساخرة تشق طريقها بقوة إلى قلوب الشباب، محولةً مرارة التجارب إلى أبياتٍ تزرع البسمة، تسرد لصحيفة الثورة عن بدايتها وتأثرها بالأدب الساخر “الشعر”،
تقول:وُلد الأدب السّاخر داخلي نتيجة حوارٍ دار بيني وبين والدي، ولأكسب رضاه لا أستطيع أن أجادله بما ليس مقتنعاً به، ففرغت ما بداخلي من كبت على شكل أبياتٍ ساخرة وألقيتها في إحدى الأمسيات الأدبية وعلى مسامع بعض الأساتذة والشعراء، من بينهم الأستاذ سامر منصور المبدع في الأدب الساخر.
وبحمد الله تعالى نالت أبياتي إعجاب كلّ من سمعها، ومن هذا الموقف بدأت رحلتي مع الشعر الساخر وتحويل أيّ معاناة أمُر بها لأبيات ساخرة، لأثبت أن الضحك يمكن أن يكون أقوى سلاحٍ لمواجهة قسوة الحياة، وأن الشعر الساخر فنٌ راقٍ يُولد من رحم المعاناة.
كما أنني لم أكن أدرك أن إعجاب الحضور سيكون الشرارة التي تُضيء مشواراً شعرياً مميزاً، جعلني أحد الأصوات الشابة اللافتة في فضاء الأدب الساخر.
كما تعتبر الشاعرة سيف الدين نفسها قارئة نهمة قبل أن تكون كاتبة، فهي مقتنعةً أنها لن تصبح كاتبة ذات مستقبل يرضيها- إن لم تكن قارئة من الدرجة الأولى.. وتُعد عائلتها حجر الزاوية في دعمها، فهم- إن خمدت همتها- يلجؤون إلى توبيخها لتكمل، وتكشف عن طقسٍ يومي مميز، جلسة مسائية يقترحون فيها الكتب والدواوين، وتقول يناقشونني بأسلوب أحد الشعراء، يتباهون بي أينما حلّوا، لكنها تخص بالشكر أخاها الشاعر محمد، الذي تصغره بقليل، فروح المنافسة بيننا هي من كانت تعطيني الدافع الأكبر للاستمرار.
كما تجد سيف الدين ضالتها في جمهور الشباب، الذين يشكون همومها نفسها قصائدها هي مرآة لواقعهم، ما يجعلهم يتفاعلون معها بقوة، وتُعّبر عن امتنانها للشعراء الكبار الذين يستمعون لها ويدعمونها، وتراهم أهلها في الوسط الثقافي.
أما عن سر ولادة قصيدتها الساخرة، فتكشف أنها تأتي بعد مواقف مريرة لا تجد أمامها سوى البكاء، وبعد أن تجف الدموع، لتترجم ما في قلبها لأبيات تسخر بها من الواقع، وتؤكد على دور الإلقاء الحيوي في إيصال رسالة السخرية بشكلٍ مؤثر.
وعن الفعاليات الأدبية التي شاركت بها خلال خمس سنوات، شقت سيف الدين طريقها بدءاً من فريق مئة كاتب وكاتب الذي كان الحاضن الأول لها وصقل مواهبها، وصولاً إلى الموائد الأدبية المخصصة للفئة المبدعة والأمسيات الخاصة إلى جانب كبار الشعراء، وهو ما تُعتبره فخراً كبيراً.
وأضافت: إنها لا تحلم بالمجد الشخصي فقط، بل تطمح لأن تترك أثراً يتعداها، حلمها المتكرر هو أن يُصبح لقصائدها مكانٌ- وإن كان بسيطاً في الكتب التعليمية، لتكون مثالاً يُحتذى للشباب في تحويل الألم إلى الضحك، وليثبت أن الإبداع الساخر يستحق التقدير والدراسة.
كما أكدت ضحى سيف الدين أنها ليست مجرد شاعرة تبحث عن الضحك السطحي، بل هي صوتٌ شابٌ عميق يُجسد فن تحويل الشجون إلى سخرية لاذعة تزيح الستار عن حقائق حياتنا بعزيمةٍ صقلتها القراءة، وحب دفعته عائلتها، وتنافس إيجابي مع شقيقها، وموهبةٍ في صياغة الألم بكلماتٍ تبعث البهجة، لتسير بثبات نحو تحقيق حلمها أن يُصبح شعرها الساخر إرثاً يُلهِم الأجيال القادمة، ويُثبت أن في الضحكِ حكمةٌ، وفي السخريةِ من الواقع المرير، شفاءٌ ومقاومة.
وفي النهاية ختمت بإحدى قصائدها قائلة: في قصيدةٍ ساخرة أطلب فيها مهراً لي وأوجه كلامي لعريس الغفلة، قلت:
وكما أحلّ الدّين للدّرّة بأن
ترضى وترفض عنوةً لا تضمرا
أبديت رأيي دون أيّ مشورةٍ
وطلبت مهراً لا يباع ويشترى
(تسعون بيتاً) لي فإني درّةٌ
والوجه بدرٌ إن نظرت وأنضرا
من يستمع للقصيدة للوهلة الأولى يظن أني أطلب بيوتاً من الطوب.
لكنّي أوضح في نهايتها أن مهري تسعون بيتاً من الشعر- أي مطوّلة شعريّة- لتكون القفلة:
وأريدُ شِعراً منصفاً لمكانتي
لا منزلاً كالتّرب يصلح للكرى.