الروائي عبد الرحمن حلّاق لـ”الثورة”: الأدب وسيلة مقاومة مستدامة يتصدى للجهل ويفتح أبواب السجون

الثورة – أحمد صلال – باريس:

 

تعد رواية “رقصة الشامان الأخيرة” للقاص والروائي السوري عبد الرحمن حلاق، إنجازاً روائياً متنوع أساليب السرد وعملاً إبداعياً جيداً، قدم فيها الروائي عبد الرحمن الحلاق رؤى إنسانية وجمالية رائعة للثورة السورية على نظام طائفي، وتجربة درامية على الطريقة الشكسبيرية، صوّر السرد بشكل واقعي يزخر بالحرارة والحدّة، وعالجت صورة الموت الجمعي بأبشع صور ارتكبها نظام طائفي، وعادت بنا إلى زمن قابيل حين قتل شقيقه هابيل، هنا الآن تنعدم قيم الجمال والخير والحياة، ويحل بديلاً عنها صور الموت والقهر والظلم لشعب تحدى بحناجره القنابل العنقودية.

صحيفة الثورة كان لها الحوار التالي مع القاص والروائي عبد الرحمن حلاق:

– في البداية، كيف تودّ تقديم نفسك للقارئ؟ من هو عبد الرحمن حلاق وحدثنا عن تجربتك الروائية؟

عبد الرحمن حلاق ابن مدينة سراقب، المدينة التي منحتني أولى أبجديات الحوار واحترام الآخر، فقد كان منزل والدي أشبه بمقهى سياسي، وكنت الطفل الوحيد الذي أتواجد فيه خارج أوقات الدوام المدرسي، مشدوهاً بالنقاشات السياسية والأدبية بين الشباب والشيوخ، وكنت شاهداً على مظاهرة احتل فيها البعثيون مضافة لعائلة غنية في حارتنا بلا مبرر، ما جعلني أكرههم لقد حولوها لمركز حزبي، ثم كنت شاهداً على تلك المظاهرة التي ضُرب فيها حافظ الأسد بالحذاء والخضراوات الفاسدة في بداية حكمه، فتكاثرت الأسئلة في رأسي بشكل جنوني وأنا ما أزال طفلاً، وبدلاً من البحث عن اللهو الطفولي اتجهت في طرق المعرفة، وعندما دخلت الجامعة كنت قد أنهيت علاقتي بفكرة التحزب بعد تجربة ناصرية فاشلة، واندمجت سريعاً بملتقى حلب الجامعي، وقد شكل هذا الملتقى في بداية الثمانينات حالة ثقافية رائعة أنجبت العديد من المبدعين المعروفين اليوم على الساحة الأدبية السورية شعرياً وروائياً ومسرحياً وقصصياً.

ولأنني مقلّ في الكتابة لم يصدر لي حتى يومنا هذا سوى مجموعة قصصية بعنوان صباحات مهشمة، وروايتان هما: قلاع ضامرة ورقصة الشامان الأخيرة، وكتاب نقدي تطبيقي بعنوان التورية السردية والزمن المستعار.

– ما الذي جعلك تختار الرواية لتخاطب الآخر ولتحاول التأريخ لما شكّل عوالمك ذاتياً وموضوعياً؟ لماذا فن الرواية تحديداً؟

ربما وبسبب الانهمام بالسياسة وكتب الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ التي قرأتها قبل أن أقرأ الأدب تمّت برمجتي لا شعورياً على دراسة التحولات والمقدمات الاجتماعية لفهم واقع معين أو فكر معين أو أي ناتج اجتماعي، هذه البرمجة لا تتناسب مع كتابة القصة القصيرة التي تصطاد- غالباً- اللحظي والراهن وبلغة مقتصدة جداً ونهاية مفارقة تثير عصفاً ذهنياً لدى القارئ، من هنا تأتي الرواية خياراً يتناسب طرداً مع هذا التكوين النفسي والمعرفي، فكلما ازددتَ معرفة كلما ضمنتَ حلولاً أكثر لتعقيدات المجتمع النصي الذي يتخلق في الرواية، وخيالاً أوسع لاحتمالات الأحداث في هذا النص، في القصة القصيرة أنت لا تستطيع تسليط الضوء- مثلاً- على النصف الأول من الثمانينات وما جرى فيه في سوريا، عندما تقف أمام قلعة حلب وتراها ضامرة يراودك السؤال: لماذا هي ضامرة؟ وفي الإجابة من السذاجة بمكان أن تقول: إنها فرس سافرت عبر التاريخ وقطعت دروباً كثيرة ووصلت إلينا بهذه الحالة.

لقد ضمرت هذه القلعة بفعل عوامل عديدة جداً تعيشها في هذا الوقت، رأت القلعة الشقاء في حلب ورأت الجوعى ورأت الإهمال، فإذا أردنا أن ننتقل من عوالم الاستعارة والرمز إلى الواقع فعلينا إذاً ذكر كل المقدمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في حكاية تستطيع أن تُشكل الحامل الرؤيوي لهذه الحالة، فكان لابد من الرواية وكان لابد من كتابة ” قلاع ضامرة ” كتبتها بمنتهى الحرية ولم أكن أنتظر نشرها في ذلك الوقت لكنّي غامرت لحظة ربيع دمشق وقدمتها للنشر، فنُشرت بعد حذف فقرتين منها.

– هل تحدثنا عن الروائيين العرب والسوريين الذين تظن أنّ لهم أثراً في دفعك ناحية كتابة الرواية؟

قبل الرواية أستطيع القول وبكل بساطة: إن قراءتي للأعمال الكاملة لأنطوان تشيخوف هي من خلقت أعظم الأثر في نفسي في بداية ثمانينات القرن الفائت، وقد شكلت عندي انعطافة حادة في تفكيري الأدبي منحتني بوصلة أهتدي بها في قراءتي لأي عمل آخر- إن كان في القصة أم في الرواية، ثم كانت ثلاثية نجيب محفوظ وروايات حنا مينه خاصة الأولى منها، وكذلك هاني الراهب وغيرهم وعندما انتقلت إلى الكويت عرفت الروائي إسماعيل فهد إسماعيل والذي أعتبره شيخ التجريبيين العرب.

لا أستطيع القول: إن روائياً بعينه هو من دفعني لكتابة الرواية، فأثناء تحضيري لنشر مجموعتي القصصية، كنت قد اتخذت قراراً أن هذه المجموعة قد تكون الأخيرة في عالم القصة بالنسبة لي، وكانت رواية قلاع ضامرة تلوب في ذهني وتدفعني باتجاه إنضاجها وولادتها، وبسبب مطحنة العمل المدرسي في الكويت فقد أخذت مني وقتاً طويلاً حتى أُنجزت، ومع ذلك وكونها الرواية الأولى فقد اعتبرتها تدريباً أولياً على الكتابة.

– تتوازى الحكايات وتتقاطع المصائر في رواية “رقصة الشامان الأخيرة”، لتحكي عن مجموعة من الشباب والصبايا السوريين، الذين حطموا جدار الخوف وأصبحت الحرية مطلبهم الأسمى، حدثني أكثر عن تحطيم جدار الخوف والمطلب الأسمى الحرية روائياً؟

في بداية المظاهرات السلمية التي بدأت تنتشر وتمتد على مساحة البلد قرأنا الكثير من التدوينات لمتظاهرين دونوا مشاعرهم عندما صرخوا لأول مرة بكلمة حرية، كان الجميع يشتركون بشعور واحد، أنهم ولدوا من جديد وأن أجنحة تحملهم إلى سماوات جديدة شعروا بالخفة التي تحلق بهم، بتخلصهم من ثقل الخوف الذي هيمن لأكثر من نصف قرن، في تلك اللحظة كانت هذه المشاعر تفور بداخل كل سوري حر ومن كل المكونات، كُسر هذا القفل الحديدي بأصابع أطفال درعا، وأحرار درعا, فتحوا أبواب هذا السجن انطلقت أغاني القاشوش والساروت وفدوى سليمان لتعم أرجاء سوريا قاطبة من الدرباسية في أقصى الشمال الشرقي إلى نصيب في أقصى الجنوب الغربي، ولم يبق من الخوف إلا ما كان في قلوب الرماديين.

– برز الأدب المقاوم أثناء معارك الشعوب في سبيل حريتها، فرنسا، الاتحاد السوفيتي مثلاً، كيف لعب هذا الأدب دوره أثناء الثورة؟ وهل تعتقد أن لهذا الأدب صفة الشمولية والديمومة؟ هل يمكن تعداد بعض النماذج؟

إذا نحينا جانباً التقسيمات المدرسية القديمة للأدب، نجد أن الأدب بمجمله هو وسيلة مقاومة مستدامة يتصدى للقبح، للفقر، للظلم، لمفاهيم الشر، للجهل، للضعف، وحتى للملل، يحاول دائماً أن يخلق عوالم تسمح للجمال والحب وقيم الخير الشخصي والمجتمعي، ضمن هذا الإطار ومع امتلاك الأسس الفنية للإبداع بشرطه الأساس “الحرية” يمكن أن يلعب الأدب دوره المؤثر شرط وجود طبقة وسطى في المجتمع، هذه الطبقة التي أجهز عليها نظام بشار خلال أربعة عشر عاماً من الثورة، أما ماعدا ذلك فسنجد أنفسنا أمام نصوص إما توثيقية أو تجييشية مؤدلجة، ولنكن واقعيين أكثر نستطيع القول ببساطة إن أي يوتيوبر مشهور اليوم لديه قدرة على التأثير أكثر من جميع المبدعين.

خلال الثورة هطلت علينا مئات الروايات، غلب على معظمها الجانب التوثيقي قد يكون هذا الأمر مفيداً في صراع سردية الثورة مع سردية النظام المجرم، لكن هل هي رواية حقاً وتستوفي الشروط الفنية للرواية؟ أم أنها لاتزال مجرد حكاية؟ قلة قليلة جداً من الروايات من نجا ونستطيع الإشارة إليه بوضوح على أنه عمل أدبي ويمكن له ببساطة اكتساب صفة الشمولية والديمومة، ولا أريد ذكر أمثلة مباشرة كي لا أنسى أحداً، ويمكنني القول: إن كل ما كتب أثناء الثورة لم يكن له أي تأثير على الأرض، التأثير منذ أواخر 2012 كان للمال ولأصحاب الخطب الرنانة.

– هل هناك مشروع أدبي (روائي أو غير ذلك من أنماط الكتابة الأدبية” جديد في الأفق؟ وان كانت الإجابة بالتأكيد أو بالنفي، ما سبب هذا الخيار!؟

لا يخلو الأمر من مشاريع قائمة في الذهن، لكنها شبه معطلة هذه الأيام بسبب إجراءات التقاعد من العمل المدرسي والعودة النهائية إلى البلد في غضون الأيام القليلة القادمة، مع أنني بدأت وضع الخطوط الأولى له، ويحتاج إلى الكثير من البحث واستحضار الذاكرة الجمعية الخاصة بمدينة سراقب التي ستشكل البنية المكانية لأحداث الرواية، وعندما أقول سراقب، فهذا يعني إدلب المحافَظة، أما لماذا هذا الاختيار فهو ببساطة لرد الاعتبار اجتماعياً وثقافياً بالدرجة الأولى.

آخر الأخبار
مواطنون من درعا:  عضوية مجلس الشعب تكليف وليست تشريفاً  الخوف.. الحاجز الأكبر أمام الترشح لانتخابات مجلس الشعب  الاحتلال يواصل حرب الإبادة في غزة .. و"أطباء بلا حدود" تُعلِّق عملها في القطاع جمعية "التلاقي".. نموذج لتعزيز الحوار والانتماء الوطني   من طرطوس إلى إدلب.. رحلة وفاء سطّرتها جميلة خضر  الشرع يخاطب السوريين من إدلب.. رمزية المكان ودلالة الزمان   فيدان: استقرار سوريا جزء من استقرار المنطقة  محافظ درعا يعد بتنفيذ خدمات خربة غزالة الاقتصاد السوري.. المتجدد زمن الإصلاح المالي انطلاق الماراثون البرمجي للصغار واليافعين في اللاذقية محليات دمشق تحتفي بإطلاق فندقين جديدين الثورة - سعاد زاهر: برعاية وزارة السياحة، شهدت العاصمة دم... السفير الفرنسي يزور قلعة حلب.. دبلوماسية التراث وإحياء الذاكرة الحضارية تحضيرات لحملة مكافحة الساد في مستشفى العيون بحلب 317 مدرسة في حمص بحاجة للترميم أردوغان: لا مكان للتنظيمات الإرهابية في مستقبل سوريا  من العزلة الى الانفتاح .. العالم يرحب " بسوريا الجديدة" باراك: نتوقع تشكيل حكومة سورية شاملة قبل نهاية العام أهالي قرية جرماتي بريف القرداحة يعانون من انقطاع المياه "الأمم المتحدة" : مليون  سوري عادوا لبلادهم منذ سقوط النظام البائد  "إسرائيل " تواصل مجازرها في غزة.. وتحذيرات من ضم الضفة