الثورة – رفاه الدروبي:
تقع دورا أوروبوس على الضفة اليمنى لنهر الفرات إلى الجنوب من دير الزور “90 كم”، تأسست المدينة حوالي عام 300 ق.م على يد أحد ضباط الملك السلوقي سلوقس الأول، وسُمِّيت باسم مسقط رأسه “أوروبوس” في مقدونيا، وفيما سبق كانت حصناً عسكرياً مقدونياً ثم تحوَّلت إلى مركز حضاري وتجاري مهم، تعاقبت عليها الحضارات السلوقية، والبارثية، والرومانية، ما جعلها من أهمِّ المدن ذات التنوع الحضاري الكبير في منطقة وادي الفرات الأوسط.
التقت صحيفة الثورة الآثاري ياسر الشوحان- الرئيس السابق للجانب السوري في البعثة الأثرية السورية- الفرنسية “2005 ـ 2009″، فأشار إلى أنَّ دورا أوروبوس تتميز بأهميتها التاريخية والأثرية الفائقة، وضمت معابد متعددة تعكس التعايش الديني والثقافي السائد في المدينة، ما جعل موقعها الاستراتيجي محطة رئيسة على طريق الحرير، ومركزاً للتبادل التجاري والفكري بين الشرق والغرب.
ولفت إلى تعرُّض المدينة للاجتياح عام 256 م، من قبل الساسانيين، وهُجرت بعدها ولم تُبنَ فوقها أي منشآت جديدة، ما حافظ على معالمها الأثرية بشكل استثنائي، ورغم تعرُّضها للنهب والدمار في العصر الحديث، لا تزال شاهداً على التعدُّد الحضاري والتاريخي في منطقة الشرق الأوسط.
ونوّه الآثاري الشوحان بتنوع مبانيها المعمارية، مقدماً تفصيلاً عن أبرز المعالم الأثرية فيها، ومنها الكنيس اليهودي، ويعتبر من أقدم المعابد اليهودية المكتشفة، إذ بُني عام 244م، ويشتهر برسومه الجدارية الفريدة، وتصور مشاهد من التوراة مثل موسى وعصاه، باستخدام تقنيات فنية تجمع بين التأثيرات الهلنستية والشرقية، والرسوم نُقلت إلى المتحف الوطني بدمشق لحفظها.
كما أنها تضم أقدم كنيسة منزلية معروفة عالمياً، وتعود لعام 232م، وفيها حوض عماد ورسوماً جدارية تصوِّر معجزة شفاء المقعد، بما في ذلك أقدم تصوير للسيد المسيح المكتُشف عام 1934، وتُحفظ لوحاتها الآن في جامعة ييل الأميركية.
وأوضح “الشوحان” أنَّ معبد ميثرا أول معبد ميثرائي يُكتشف في الشرق، ويتميز برسوم جدارية محفوظة جيداً تُظهر طقوس عبادة الإله “ميثرا” بين الجنود الرومان، ويحتوي على قاعة رئيسية بمقاعد حجرية جانبية وكوة مُقبَّبة مُزيَّنة بنجوم زرقاء، مشيراً إلى أنَّ القلعة بُنيت بالحجارة المنحوتة، وبلغ ارتفاع أسوارها 30 قدماً وسمكها 15 قدماً، مع أبراج مراقبة متعددة الطوابق مثل: البرج خماسي الأضلاع الفريد، وتعكس التحصينات ذاتها الأهمية العسكرية للمدينة خاصة في العصر الروماني.
خاتماً حديثه عن باب تدمر المتميِّز ببوابة ضخمة بعرض 5 أمتار، كانت المدخل الرئيسي للمدينة من الجهة الغربية المصُمَّمة ببرجين وقوس مدوَّر، وشكَّلت نقطة وصل حيويَّة بين تدمر والفرات، ما يؤكِّد دور المدينة كميناء تجاري لتدمر، وتُجسِّد المباني التفاعل الثقافي والديني الفريد في دورا أوروبوس، من خلال تخطيطها الهلنستي، وتفاصيلها الفنية الممزوجة بالعناصر المحلية والرومانية.