الثورة – سمر حمامة:
الأطفال صفحات بيضاء، تنقش فيها الكلمات والمواقف لتبقى أثراً طويل الأمد في ذاكرتهم وسلوكهم، وفيما يظن بعض الآباء أن وجود الطفل في مجلس الكبار أمر عادي، يرى آخرون أنه قد يحمل مخاطر تربوية ونفسية، فهل يُسمح للأطفال بسماع كل ما يدور من أحاديث بين البالغين؟ أم أن هناك حدوداً يجب أن تُرسم لحماية براءتهم وتوجيه وعيهم بما يناسب أعمارهم؟.
عند الوقوف على آراء الناس حول هذه القضية، نجد تنوعاً في وجهات النظر بين مؤيد بشروط، ورافض تماماً، ومتفهم لإيجابيات وسلبيات الأمر.
السيدة رانيا تقول: “أحياناً أُجلس ابني البالغ من العمر 8 سنوات معنا في المجلس، لكنني أختار اللحظة المناسبة، إذا كان الحديث طيباً مليئاً بالحكمة أو القصص المفيدة، فأعتبرها فرصة لتعليم ابني قيماً وأدباً في الجلوس، لكن إن كان النقاش يتناول مشكلات أو أسرار، فأحرص أن يبتعد فوراً، لأن الطفل يخزّن كل كلمة ويسأل عنها لاحقاً.
الأستاذ خالد قال: من خلال خبرتي كمعلم، لاحظت أن الأطفال الذين يجلسون في مجالس الكبار من دون ضوابط يتأثرون بشكل كبير، قد يتعلمون أساليب الكلام الجارح أو السخرية أو حتى الكذب من غير قصد، لذلك أرى أن السماح بجلوس الطفل يجب أن يكون مضبوطاً، إذ تكون الأحاديث تربوية أو تعليمية، وإلا تحولت إلى مصدر خطر على نموه النفسي.. أنا أؤمن أن الأطفال يحتاجون إلى مجالس الكبار ليتعلموا الحكمة.
ويضيف: في صغري كنت أجلس مع أبي وأعمامي وأسمع قصصهم وتجاربهم، فكوّنت لدي خبرة مبكرة بالحياة، لكن للأسف، اليوم صارت الأحاديث مليئة بالمشكلات والانتقادات والشكوى من الظروف، وهذا لا يناسب الطفل، لذلك يجب أن نفرّق بين مجالس حكيمة تبني، وأحاديث عابرة قد تزرع الخوف أو الحيرة في قلب الصغير.
وللاطلاع على الجانب العلمي، بينت خبيرة علم النفس التربوي الدكتورة هبة ناصر في حديثها لـ”الثورة”، أن جلوس الأطفال مع الكبار سلاح ذو حدين، من جهة، يمكن أن يُكسب الطفل مهارات الحوار وآداب الجلسة، ويثري قاموسه اللغوي، ومن جهة أخرى، قد يعرّضه لسماع أمور لا يفهمها، فيفسرها بطريقة خاطئة، أو يعيش قلقاً داخلياً لا يستطيع التعبير عنه، بعض الأطفال مثلاً، حين يسمعون كلمة (طلاق) أو (خيانة) يشعرون بالخوف من فقدان الأمان الأسري، حتى لو كان الكلام عاماً.
وأضافت: الأصل في التربية أن لكل مرحلة عمرية خصوصيتها، لذا أنصح الأهل بتحديد نوعية الأحاديث التي يُسمح للطفل بسماعها، وإبعاده عن النقاشات التي تحتوي أسراراً أو خلافات أو ألفاظاً جارحة، كما أن على الأهل الانتباه إلى أن الطفل بطبيعته فضولي، وقد ينقل ما يسمعه خارج البيت ببراءة، ما قد يسبب إحراجاً أو مشكلات للعائلة.
الكلمة الطيبة لا تقتصر على الكبار، بل تبني وجدان الطفل وتشكّل عالمه الداخلي، مجالس الكبار قد تكون مدرسة حقيقية إذا امتلأت بالحكمة والقصص المفيدة، لكنها قد تتحول أيضاً إلى مصدر قلق وتشويش إذا امتلأت بالمشكلات والخلافات، لذا، من واجب الآباء والمربين أن ينتبهوا لما يسمعه الصغار، وأن يقدّموا لهم صورة إيجابية عن الحوار والتواصل، فالطفل يتعلم أكثر مما نتصور، وما يسمعه اليوم قد يرسم ملامح شخصيته غداً.