“الأكل العاطفي”.. كيف يتحول الطعام إلى وسيلة للتعبير عن المشاعر؟

الثورة – منال السماك:

مع تراكم الضغوطات والتحديات الحياتية، تتأزم المشاعر لدى البعض، وتتجاذب النفس أحاسيس متضاربة من توتر وقلق وملل، وربما إحباط ويأس واكتئاب تعبيراً عن حالة نفسية طارئة، ما يؤدي بالبعض إلى اضطرابات الأكل النفسية، فيلجأ إلى الطعام بعنف، متجاوزاً العادات الغذائية ليكون النهم نمطاً حياتياً يهدد صحته الجسدية والنفسية، وعلى النقيض يلجأ البعض إلى تقييد الطعام بشكل مبالغ به، ليحرم جسده من أدنى مقومات الصحة الجسدية والعقلية، كنوع من الرفض النفسي الداخلي لمشاعر عاطفية سلبية، أو كسلاح يواجه به بعض المفاهيم الجمالية التي تسيطر على المجتمع، كالوزن المثالي والقوام الرشيق.

بين نهم وفهم

سارة.. صبية في العشرين من عمرها، تدرس في كلية الهندسة، لديها توتر وتعب وقلق، بسبب مشروعات جديدة، دائماً تفكر أنها كلما تناولت الطعام يخف التوتر والخوف لديها، وعندما تكون في موقف يزعجها تذهب للأكل حتى لو لم تكن جائعة.

أما لميس فعمرها 30 عاماً، شابة جميلة، ولكنها تعاني من السمنة في جسدها، نتيجة مشكلات صحية، ما جعلها تعيش بضغط نفسي بسبب شكل جسمها الممتلئ، ما جعلها تتأزم لعدم وجود أصدقاء مقربين منها، وكلما تشعر بالجوع، او يحين موعد الطعام، توهم نفسها أنه مجرد جوع عادي، ولا تتناول شيئاً منه، وتتحايل على جوعها بالنوم، ولكنها مؤخراً بدأت تعاني من مشكلات صحية.

إطعام المشاعر بدلاً من مواجهتها

للحديث عن هذه الاضطرابات النفسية التقت “الثورة” اختصاصية النفس والتغذية فدوى نصر، والتي استهلت حديثها بالتعليق على الحالتين السابقتين، تقول: لقد استخدمت سارة الطعام كمخدر عاطفي، فهي تحاول إطعام مشاعر الوحدة بدلاً من مواجهتها، والنوبة كانت محاولة فاشلة لملء فراغ عاطفي بالطعام، ما أدى إلى تفاقم المشاعر السلبية بدلاً من حلها، فيما استخدمت لميس تقييد الطعام كآلية مواجهة غير صحية، فالسيطرة على الطعام يعطيها إحساساً زائفاً بالقوة والإنجاز.

وتابعت نصر حديثها، “النهم والقهم” هما نمطان من اضطرابات الأكل المرتبطة بالحالة النفسية والعاطفية للفرد، على عكس اضطرابات الأكل العضوية، وترتبط هذه الاضطرابات بشكل وثيق بالحالة النفسية، وتستخدم الطعام وسيلة للتعامل مع المشاعر السلبية، والفرق بين هاتين الحالتين، أن القهم العاطفي يشير إلى فقدان الشهية تجاه الطعام، بسبب ضغوط عاطفية أو نفسية، فيمتنع الشخص عن الطعام كنوع من السيطرة على مشاعره، أو كتعبير عن رفض نفسي داخلي، ومن أعراض القهم العاطفي تجنب الطعام وعدم الرغبة بالأكل رغم الجوع الجسدي في المواقف العاطفية الصعبة، وانشغال ذهني بالوزن والطعام، خوفاً من زيادة الوزن حتى مع نقصه، إضافة إلى عزلة اجتماعية لتجنب المناسبات المتعلقة بالطعام، وتظهر أعراض جسدية كانخفاض الوزن بشكل ملحوظ وضعف عام ودوخة وجفاف الجلد وتساقط الشعر.

وبينت أن النهم العاطفي هو نوبات من الأكل الشره استجابة لمشاعر سلبية كالحزن والقلق والملل والفراغ، فالشخص هنا يأكل كميات كبيرة من دون جوع حقيقي ومن دون تذوق، وأحياناً بعدم الشعور براحة جسدية، ومشاعر سلبية مصاحبة بين الذنب والخجل أو الاشمئزاز من النفس بعد النوبة، ويكون الأكل سرياً وفي الخفاء مع الخجل.

أسباب نفسية واجتماعية

عن أسباب وعوامل الخطر، تلفت الاختصاصية نصر، إلى أن أسباب هذه الاضطرابات هي مزيج من عوامل نفسية وبيئية، وعوامل بيولوجية كالخلل بالنواقل العصبية في الدماغ التي تنظم المزاج والشهية، وكذلك انخفاض تقدير الذات والنقد القاسي والبحث عن الكمال وصعوبة تنظيم المشاعر، فيتم استخدام الطعام كآلية بديلة للتعامل مع المشاعر الصعبة كالاكتئاب والقلق، وغالباً ما يصاحب هذه الاضطرابات عوامل بيئية واجتماعية، وضغوط ثقافية كالترويج لنمط الجسم النحيف في الإعلام والثقافة، وتجارب سلبية مثل التنمر على الوزن وصدمات الطفولة أو علاقات عائلية مضطربة، والحميات الغذائية المقيدة التي تدفع إلى نوبات نهم لاحقاً.

تنظيم المشاعر

أما عن آليات العلاج والتخلص من الاضطراب، قالت الاختصاصية نصر: إن العلاج يتطلب نهجاً متكاملاً يشمل الجوانب النفسية والسلوكية والطبية أحياناً، فالعلاج النفسي “العلاج بالكلام” يهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية النفسية، والعلاج السلوكي المعرفي يساعد على تحديد الأفكار المشوهة حول الجسم كالوزن والطعام، وتطوير آليات تكيف صحية بديلة للتعامل مع المشاعر، كالرياضة والكتابة والتحدث مع صديق، وكسر دائرة القهم والنهم عن طريق تغيير الأنماط السلوكية، بينما العلاج المعرفي العاطفي التكاملي، فهو يركز على تنظيم المشاعر بهدف تغيير السلوكيات التي تسبب النهم.

كما أنه من المهم الاستشارة التغذوية وإعادة تأهيل الأكل، من خلال خطة وجبات منتظمة مع اختصاصي تغذية لاستعادة نمط منتظم كل 3 – 4 ساعات لمنع نوبات الجوع أو النهم، بعد فهم احتياجات الجسم من دون “وصمية” الأطعمة كالطعام الجيد والسيء، وإذا لزم الأمر يمكن اللجوء للعلاج الدوائي، ومشاركة التجارب مع الآخرين ممن يعانون نفس المشكلة يقلل من الشعور بالعزلة ويوفر بيئة آمنة.

أنشطة تحسن المزاج

وأكدت أن للأسرة دوراً هاماً في دعم المريض بشكل فعال، بخلق بيئة منزلية تعزز الشفاء كما أن ممارسة الوعي التام بالنسبة للأكل يساعد الشخص على التعرف على إشارات الجوع الحقيقية والشبع، وتمييزها عن الأكل العاطفي، ويمكن ممارسة الأنشطة البدنية كاليوغا والرياضة، للتعامل مع التوتر وتحسين المزاج، وتحديد المحفزات لنوبات الأكل لتفاديها، والبحث عن بدائل غير غذائية، كسماع موسيقا او التواصل مع الأصدقاء.

وأخيراً تنصح الاختصاصية نصر ببناء علاقة صحية مع الطعام وتناوله باعتدال من دون حرمان، وتعلم تحديد المشاعر وتقبلها بدلاً من كتمها أو الهروب منها، وخلق بيئة داعمة للشفاء، وتجنب الأشخاص السلبيين الذين ينتقدون الوزن وشكل الجسم، والمتابعة الدورية حتى بعد التحسن، لتفادي الانتكاسة.

فالنهم والقهم العاطفي، هما اضطرابان معقدان جذورهما في المشاعر والصحة النفسية، والعلاج ممكن ولكنه يتطلب فهماً عميقاً للذات ودعماً متخصصاً، وطلب المساعدة خطوة شجاعة لاستعادة السيطرة من أجل صحة وحياة أفضل.

آخر الأخبار
تلمنس تستعيد أنفاسها بعد إزالة نصف أنقاضها بجهود الخوذ البيضاء مكتب لرعاية شؤون جرحى الثورة في درعا سراقب.. عودة الحياة المدرسية بعد التحرير و دعم العملية التعليمية وصول 50 حالة تسمم إلى مستشفى نوى الوطني.. و وحدة المياه تنفي الثلوث  امتحانات السويداء.. حلول على طاولة "التعليم العالي" إجراءات صارمة ضد الجهات غير المرخصة في السوق المالية دمشق .. حيث يصبح ركن السيارة تحدياً.. مواقف مشغولة وقلق متواصل في صراع التشريع والتحديات.. مفتشو العمل وتحديات البيئة الآمنة إعادة تفعيل خدمات السجل العدلي في جرمانا تحقيق لـ"ميدل إيست فوروم": إيران حوّلت سوريا في عهد المخلوع إلى قاعدة أمامية للحرس الثوري الربط الرقمي الصحي السعودي-السوري يعطي أولى ثماره وصول باخرة محمّلة بألفي سيارة إلى مرفأ طرطوس باحث سياسي: "الشروط التعجيزية الإسرائيلية" تُجمّد المفاوضات بين سوريا و"إسرائيل" الربيعة: عودة الاستقرار إلى سوريا أولوية للسعودية هوية سوريا الجديدة قائمة على الحوار واحترام القانون الدولي الفوسفات.. تحديات تنتظر الاستثمار واقع نظافة متردٍ في حي التضامن.. ومجلس البلدة يرد قمة كونكورديا النوعية.. فرص استثمارية وتحولات اقتصادية محافظ السويداء: نجاح خريطة الطريق يعتمد على التزام الجميع بتنفيذها خدمات كبيرة قدمتها مديرية النظافة في حلب