الثورة- فؤاد مسعد:
للحكاية المُلتقطة من رحم الحقيقة مكان مؤثر ودور لا يمكن تجاهله، هذا ما يشي به الفيلم الوثائقي القصير “إرادة” الذي أنتجته المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، وعُرض لأول مرة ضمن فعالية “ريفنا بيستاهل”، هي حكاية مُلهمة بطلتها لانا المصري، التي عاشت المأساة ولم تستسلم للمخاوف والتحديات وإنما قارعت الحياة بصبر وإرادة قوية.
يسلط الفيلم الضوء على ما جرى في إحدى المناطق بريف دمشق، ومأساة لانا المصري المتمثلة في فقدها أقاربها وإصابتها التي نتج عنها خسارتها لكلتا قدميها ويدها اليسرى، كما استشهد والدها برصاصة قناص، وصلت إلى ألمانيا ولديها قدرة كبيرة وأمل، وهي تدرس الطب سنة ثالثة، ساعية لإعطاء الأمل لكل إنسان.. تقول: “عندما أتيت إلى سوريا صدمني الواقع الطبي، عشرات آلاف المصابين بالبتر، فيما هناك مركز أطراف واحد يخدم دمشق، وريفها، والقنيطرة، ودرعا، والسويداء”، مؤكدة أن “الأطراف الصناعية ليست رفاهية، وإنما حق لكل سوري، فمصابو الثورة قدموا أغلى ما عندهم واليوم الواجب هو رد الجميل”.
يعتبر الفيلم القصير “إرادة” من أوائل أعمال المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني بعد التحرير، وهو سيناريو وإخراج أحمد الخضر، الإشراف العام مروان الحسين، الإشراف الفني والإنتاج عبد الرحمن الكيلاني.
ولادة الفكرة
لإلقاء المزيد من الأضواء الكاشفة عن الفيلم كان لنا هذا اللقاء مع عبد الرحمن الكيلاني، الذي تحدث بداية عن ولادة الفكرة، يقول: أتت الفكرة من التحضير لفعالية “ريفنا بيستاهل”، فكانت قصة “لانا” تشبه قصة ريف دمشق كثيراً، إذ تعرضت لإصابة قاسية وخسرت ثلاثة أطراف من جسمها، وهذا شبيه بما حصل في ريف دمشق الذي تعرض لدمار واسع وتهجير، والمٌلهم أن لانا أكمّلت ولم تستلم للإصابة، كما أنها خسرت بنات خالاتها بطريقة مأساوية وخسرت والدها الذي استشهد، وكان لديها رحلة لجوء عبر أكثر من دولة، ولكنها أكملت وتحدّت واستمرت وكان لديها الأمل والطاقة الكافية لتنجح وتحقق أحلامها. ويتابع: “عادت إلى البلد لتقدم ما لديها، وهنا تبرز حالة من الحالات الرمزية، وإلى أي مدى هي تشبه ريف دمشق وأن هناك أملاً، فكما أنها أكملت طريقها رغم كل الظروف، فريف دمشق رغم ما تعرض له من تدمير وتهجير سينهض ويقف على قدميه من جديد، ونحكي عن جنوب دمشق وداريا والغوطة الشرقية والكثير من بلدات جبال القلمون، ومضايا، والزبداني، والأمل كبير أن تعود مع وجود هذه الطاقة عند أهلها”. ويشير إلى أن للحكايات المُلهمة أثرها الكبير على الناس، يقول: “هذا ما لمسته منذ المرة الأولى التي جلست فيها مع لانا ورأيت كمية الطاقة والحياة عندها، فإصرارها على الحياة بحد ذاته كان ملهماً، حيث تعرضت لإصابة قاسية ورغم ذلك استطاعت تحقيق أحلامها، وبالتالي على الأصحاء مهما كانت ظروفهم أن يحققوا أحلامهم، فإن كنا نتفاعل بالقصص لأنها تترك أثرها علينا، فما بالك إن تكلمنا عن قصة من بيئتنا ومرت بمرحلة الثورة وبالظروف التي مر بها الناس واستطاعت النجاح”.
مُلهم للجمهور
يبيّن الكيلاني أن الفيلم تم إنجازه بوقت قياسي، من الكتابة إلى المونتاج والإنتاج النهائي، وبما أنه أنجز لفعالية “ريفنا بيستاهل”، ولمراعاة ظروف العرض ضمن الفعالية فقد جاء قصيراً جداً، وكان التركيز على إظهار حالة التحدي وتحقيق الأحلام، واستثمارها للدعوة إلى دعم المستشفيات بناء على قصة حقيقية، فهذا المشروع بالنسبة لـ “لانا” شكّل مشروع حياة، بأن تساعد فيما يتعلق بالمستشفيات والأطراف الصناعية، وهنا نحكي عن عشرات آلاف من الأشخاص وندعو في النهاية إلى دعم هذا المجال، كما كان هدف الفيلم إعطاء الأمل وأن يلهم الجمهور. وحول اللقطات التوثيقية التي ضمها العمل، يقول: كانت هناك ثلاث لقطات، وتنبع أهميتها من أنها للحدث نفسه وتوثق القصف الذي جرى، حيث تم تقديمها بسياق تشكل فيه حالة صدمة للمشاهد، وكنا حريصين ألا تتضح حالة لانا تماماً في مشهد البداية، لنتابع عودتها إلى المنزل و”البلكون” الذي كانت تقف عليه عندما حدثت الضربة، فالضربة الأولى حدثت في المليحة وعندما خرجت إلى “البلكون” مع أخيها وبنات خالتها ليروا ما الذي يحدث وقعت الضربة الثانية، وللأسف لا تزال آثار الضربة والدم على الجدران، وكان من الأهمية بمكان أن نصور هذه اللقطات، خاصة أن لدينا مادة توثيقية هامة، علماً أننا استخدمنا اللقطات الأقل دموية.