اللاجىء فاعلٌ ثقافي يعرّف ذاته بالكتابة

الثورة – همسة زغيب:

برزت وسائل التواصل الاجتماعي كنافذة في حياة اللاجئين السوريين وخاصة المثقفين، في زمن تتقاطع فيه الجغرافيا مع الذاكرة، وتتحول فيه المنصات الرقمية إلى ساحات للبوح والتأمل والكتابة والتعبير عن الوجدان.

لم تعد هذه الوسائل مجرد أدوات للتواصل مع الأهل أو متابعة الأخبار، بل أصبحت مساحات حرة لإعادة بناء الحلم، وتشكيل ثقافة الوعي بالوطن، والحرية، والكرامة، وليست أدوات تقنية وحسب، بل أصبحت امتداداً للذات السورية في المنفى، ومرآة تعكس التحولات العميقة في نظرة السوري إلى وطنه.

إنها مساحة يتقاطع فيها الحنين مع النقد، والأمل مع الألم، والذاكرة مع الرغبة في التغيير.

يكتبون حريتهم من جديد

يرى الكاتب عمر الإدلبي أن وسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى مدونة مفتوحة لتجارب السوريين في الخارج، إذ تُسجل الآمال والطموحات، وتُستعرض التحولات بعد سقوط النظام المخلوع. ويؤكد في حديثه لصحيفة الثورة أن هذه المنصّات تُعبّر عن تعددية كانت ممنوعة سابقاً، وتُظهر تنوع الهويّات والاختلافات الفكرية في مشهد رقمي يعكس حيوية المجتمع السوري. وفي هذا الفضاء، لا تُمارس الحرية بوصفها شعاراً، بل تُختبر يومياً عبر النقاشات، والتفاعل مع القضايا الكبرى والصغرى.

وأضاف أن السوريين في المنفى لا يكتبون فقط عن الوطن، بل يعيدون تشكيله، ويطرحون أسئلة كانت محرمة، ويخوضون حوارات كانت مستحيلة.

عبر الهاتف

منذ بداية موجات اللجوء، تحول الهاتف الذكي إلى أداة يومية لا غنى عنها. عبره، يتابع اللاجئ السوري تطورات الداخل، يشارك قصصه، وينضم إلى مجموعات تناقش الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي. لم تعد المنصات مثل فيسبوك ويوتيوب مجرد أدوات ترفيه، بل أصبحت مجتمعاً موازياً، تُصاغ فيه رؤى ثقافية جديدة وتُستعرض فيه تجارب المنفى لدى الكتاب والأدباء والشعراء.

في الفضاء الرقمي

في ظل غياب الوطن المادي، بات الفضاء الرقمي وطناً بديلاً، تتشكل فيه العلاقات، وتُبنى فيه الهويات الثقافية، وتُخاض فيه المعارك الرمزية. لم يعد اللاجئ السوري مجرد مهاجر يبحث عن مأوى، بل أصبح فاعلاً ثقافياً وسياسياً يُعيد تعريف ذاته من خلال الكتابة، والتوثيق، والمشاركة في النقاشات العامة، فالمنصات الرقمية أتاحت له أن يكون شاهداً ومشاركاً في آن.

تحرر من الخوف

لم يعد مفهوم “التحرير” لدى السوريين في الخارج يعني فقط زوال نظام أو تبدل سلطة، بل أصبح يعني تحرر الإنسان من الخوف، ومن الماضي وما كسره. سوريا اليوم حلم اللاجئين، لأنها بلد العدالة والكرامة، لا مكان فيها للانتقام أو التسلط أو إعادة إنتاج الاستبداد،

وفقاً لما يراه الكاتب مرهف مينو، والذي يرى أن الحرية لا تُقيد إلا بضوابط قانونية تحترم كرامة الإنسان وحسب، وأن الحقوق الأساسية التي نصت عليها المواثيق الدولية يجب أن تكون واقعاً تحميه القوانين تحمي وحدة المجتمع وتمنع التحريض والانقسام، فلم تعد العودة إلى الوطن مجرد حلم جغرافي، بل أصبحت مشروعاً أخلاقياً وسياسياً، كما يراه السوريون في المنفى، هو وطن لا يُقصي أحداً، ولا يُعيد إنتاج العصابات، بل يحتضن الجميع تحت مظلة القانون.

في وجدان المنفى

في أحاديث السوريين المنتشرين في المنافي، يبرز اسم الرئيس أحمد الشرع بوصفه رمزاً لصورة الرئيس الإنسان – ذلك الذي يقترب من الناس، ويصغي إلى آلامهم، ويمثل فكرة الدولة التي تحترم مواطنيها.

ويرى كثيرون أن الشرع كرس هذه الصورة، لا من خلال الشعارات، بل عبر سلوكه الهادئ والمتوازن، ما جعله نقطة التقاء رمزية بين السوريين الباحثين عن أمل مشترك بعد سنوات الانقسام. إن صورة الرئيس الإنسان، كما تتشكل في وعي المنفى، ليست مجرد رغبة في التغيير، بل تعبير عن حاجة عميقة إلى سلطة أخلاقية، لا قمعية، إلى قيادة تصغي قبل أن تحكم، وتداوي قبل أن تدين.

يولد الوطن من جديد

إن وسائل التواصل الاجتماعي ذاكرة جماعية، ومنصة للشفاء، وأداة لبناء وطن رقمي يُمهّد لعودة حقيقية إلى سوريا المحررة من العصابات الأسدية، ومحررة من الخوف. إنها ليست فقط ثورة في وسائل التعبير، بل ثورة في الوعي، في اللغة، وفي الحلم. فالمنفى لم يعد عزلة، بل صار مختبرًا للحرية، ومساحة لإعادة تعريف الوطن، لا بوصفه جغرافيا، بل بوصفه قيمة إنسانية عليا.

سردية وطنية جديدة

من خلال التفاعل اليومي على المنصات، تتعدد الأصوات السورية، وتتشكل سردية وطنية جديدة لا تقوم على خطاب واحد، بل على تنوع التجارب والرؤى. ويعتبر التعدد، رغم ما يحمله من خلافات، ظاهرة صحية تعبر عن مجتمع حي يتعلم أن يختلف دون أن ينقسم، وأن يتحاور دون أن يتنازع. إنها بداية لثقافة سياسية جديدة، تؤمن بأن الوطن لا يُبنى بالولاء، بل بالمسؤولية والمشاركة.

أرشيف للثورة والشتات

لم تعد المنصات الرقمية وسيلة للتعبير فقط، بل أصبحت أرشيفاً حياً للثورة والشتات. فيها تُحفظ الصور، وتُسجل الشهادات، وتُوثّق اللحظات المفصلية.

هذا الأرشيف يصنعه السوريون بأنفسهم، ويُشكّل ذاكرة جماعية مقاومة للنسيان، ويمنح الأجيال القادمة فرصة لفهم ما جرى، لا من خلال الروايات والكتب وحسب، بل من خلال سرديات الناس أنفسهم بحسب ما قاله المغتربان عمر الإدلبي ومرهف مينو.

آخر الأخبار
"التربية": كرامة المعلم خط أحمر والحادثة في درعا لن تمر دون عقاب البيانات الدقيقة.. مسارات جديدة في سوق العمل خطّة التربية والتعليم".. نحو تعليم نوعي ومستدام يواكب التطلعات سرقات السيارات في دمشق... بين تهاون الحماية وانتعاش السوق السوداء فرنسا تصدر مذكرة توقيف ثالثة بحق المخلوع "بشار الأسد" إعادة تأهيل معبر الرمثا..رافعة للتنمية والاستقرار في الجنوب افتتاح مسجد "أبو بكر الصديق" بعد إعادة تأهيله في بلدة التح محافظ حلب: 842 شكوى تسوّل خلال شهرين واستجابة ميدانية تتجاوز 78بالمئة تجربة ميدانية لتجميل دمشق تبدأ من شارع برنية افتتاح قسمي العمليات وغسيل الكلى في مشفى عائشة بمدينة البوكمال قطع غيار السيارات المستعملة " مصيبة " جديدة تستنزف الناس و القطع الأجنبي تصحيح العلاقات بين دمشق وبكين بعيداً عن المحاور والاستقطاب  تنظيم إقامة المناسبات في حلب.. خطوة لضبط الأمن أم عبء إداري جديد؟ هل تقاعس الاتحاد الأوروبي تجاه غزة بذريعة خطة ترامب؟   "سفير فوق العادة".. مهام استثنائية وصلاحيات كبيرة بريطانيا.. حنين إلى الاتحاد الأوروبي وشعور باليتم الجيوسياسي ثقة العالم بـ سوريا الجديدة تتنامى.. وعجلة التعافي نحو الأمام مخلفات الحرب في سوريا.. خسائر كبيرة والدعم الدولي غير كاف "الشؤون الصحية" بحلب .. خطوات ثابتة نحو بيئة صحية آمنة التعليم العالي تمهّد لإلغاء مقرر "الثقافة القومية" وتحديث مناهج المواطنة