ثورة أون لاين – د. خلف علي المفتاح:
من الخطأ الجسيم قراءة الازمة السورية في اطارها المحلي او الاقليمي حتى فلا بد من وضعها في اطار المشهد الدولي في بنيته العامة لا بل في ظل ارهاصات اولى لنظام دولي جديد ربما كانت الازمة السورية الحاضنة والمولدة له وهنا لا بد لنا من استعراض مقطع تاريخي لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية والاصطفاف الدولي حول معسكرين اثنين تشكلا على حوامل ايديولوجية وكانت ساحة الصراع بينهما ابتداء القارة الاوربية بشطريها الغربي والشرقي وانتهى كما نعلم جميعا بسقوط المعسكر الاشتراكي وبروزالولايات المتحدة الاميركية قطبا وحيدا في العالم مع نهج تنظيري يبشر بسيادة الفكر الغربي وانتصار الليبرالية على ما عداها من نظريات .
لقد اعتقد الغرب الرأسمالي ولاسيما غرب الاطلسي ان زعامة العالم قد انعقدت له والى الابد فسعى الامريكيون حثيثا لتحقيق زعامة فردية وفريدة للعالم على قاعدة القطب الواحد وقطع الطريق على اية محاولة لمنافسة الولايات المتحدة الامريكية على ذلك ولكن ومع انكشاف المشروع الكولونيالي الامريكي ومحاولته مدذراعه العسكرية في اكثر من اتجاه ودخوله في نزاعات وصراعات عديدة بهدف الهيمنة واستثمار فائض القوة فجاءت حروب امريكا والاطلسي في افغانستان والعراق وليبيا وما شكله ذلك من عبئ سياسي واقتصادي رافقه فقدان لمصداقية تلك القوى على الصعيد الدولي مع كراهية غير مسبوقةللكثير من شعوبه على خلفية تلك الحروب المجنونة .
لقد كان المتغير الاساسي لعالم ما بعد الحرب الباردة هو انتقال ساحة الصراع الدولي من اوروبا بشطريها الى منطقة الشرق الاوسط التي كانت تحتل المرتبة الثانية في اطار سلم الاولويات الدولية وهذا حاصل بحكم طبيعةالصراع ومضامينه بين الدول الكبرى حيث تقدم الاقتصادي على الايديولوجي عندها تبرزالمنطقة بثرواتها الباطنية من نفط وغاز وموقعها الجيوسياسي والجيوثقافي لتكون ساحة المنافسة الدولية وحيث ينهض العملاق الصيني بقوته الاقتصادية والعسكرية الناهضة وروسيا التي استعادت عافيتها الاقتصادية محتفظة بتفوقها العسكري الاستراتيجي ورصيدها الدولي الطيب الذي خلفته الامبراطورية السوفيتية لدى شعوب العالم الثالث ، ليحتلا موقعهما الطبيعي في الخارطة الجديدة انطلاقا من قوتهماالعسكرية والاقتصادية، في هذه اللحظة التاريخية المفصلية والحاسمة في مسار الاحداث تأتي الازمة السورية لتكون ساحة التماس بين تلك القوى والغطاء لصراع مشاريع اقليمية ودولية يجزم الجميع على ان حاصلها السياسي قمين بتشكيل خرائط سياسية جديدة للمنطقة والعالم وهو ما يفسر كل هذه الحالة غير المسبوقة من كباش دولي واقليمي تسلق على اكتاف الازمة السورية .
ان الصراع مع وعلى سورية لم يعد يوصف تلك الازمة او يقاربها على نحو موضوعي الا في حدود التداخل بين الوطني والاقليمي والدولي فالمساحات المشتركة كثيرة وممتدة تتجاوز الجغرافي الى الاقتصادي والثقافي ولايديولوجي وصولا للبنية الديموغرافية حتى وهنا تكمن طبيعة الخطر الذي يتهدد المنطفة والعالم حال تفجر الازمة وتحولها الى صراع عسكري مسلح وهو ما حذر من غير سياسي وباحث استراتيجي رصين وفي اكثر من بلد سواء في الشرق او الغرب وعلى مختلف المذاهب السياسية والايديولوجية.
لقد جاء مطابقا للحقيقة تكييف ما يجري في سورية على انه ازمة دولية وليست قضية مطلبية تتعلق بالاصلاح والتغيير في بنية الدولة واشتراطاتها الوطنية المتعلقة بمفهوم الديمقراطية لسبب يبدو في غاية البساطة وهو هذه الحالة من التداخل بل التناقض بين المواقف الدولية المتعلقة بها وتعدد المذاهب السياسية في مقاربتها ومحاولات ايجاد مخارج واجتراح حلول لها وهو ما وصل الى الان الى حدود انسداد الافق عند البعض اوالدخول في نفق مظلم عند البعض الاخر .
ان قراءة في المشهد الدولي الذي اعقب نهاية الحرب الباردة تشير بشكل قاطع الى عدم حصول اي اصطفاف دولي وانقسام عالمي في اية ازمة دولية كما حاصل الان وهذا يشي بكثير من المعاني والدلالات الهامة يأتي في مقدمتها انه لا مجال لحصول تحول دراماتيكي في مسار الازمة يقلب المعادلات القائمة على الصعيدين الاقليمي والدولي لجهة انتصار فريق على اخر ما يخلط في الاوراق ويشكل تحولا بنيويا في موازين القوى القائم على التوازن في المصالح مع قبول للتوازن في الخسائر في اكثر من مكان وثاني تلك االحقائق هو ان الازمة السورية هي في بعد من ابعادها خلاصة صراعات ونزاعات واصطفافات اقليمية ودولية بحكم موقع سورية الجيوسياسي حيث تلامس الجغرافية السياسية السورية النقاط الساخنة في كل من لبنان وفلسطين والعراق ما يجعل المنطقة والاقليمة تعيش على جدار صفيح ساخن او فوهة بارود
والحال تبدو القوى العالمية والاقليمية على تناقضاتها ومشاربها السياسية امام حقيقة لا يمكن لاحد ان يتجاهلهاوهي القبول بمنطق الحل المتوازن الذي يحفظ مصالح الجميع وفي مقدمتهم الشعب السوري بكل مكوناته وتسويات بين الكبار قد لا ترضي بعض اللاعبين الاقليمين وربما كان عزاؤهم الوحيد ان النار السورية نأت بنفسها عن ملامسة حقولهم القابلة للاشتعال ؟