ثورة أون لاين- خالد الأشهب:
سبق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية خلال عقود السنين الماضية، وخاصة بعد ظهور أميركا كقوة عالمية عظمى،
أن رعت ومولت ودربت عدة جيوش من المرتزقة حول العالم، وكانت دائماً تطلق على عناصر هذه الجيوش ألقاباً من مرتبة ثوار أو مقاتلين من أجل الحرية، وتصفهم بالاعتدال والوسطية السياسية فيما تصف المستهدفين بهذه الجيوش بالمتطرفين.
مطلع الستينيات من القرن الماضي شكلت المخابرات الأميركية جيشاً من الكوبيين المعارضين للثورة في جزيرة كوبا، ثم نقلتهم بعد تسليحهم وتدريبهم لغزو الجزيرة وإسقاط الثورة في ما يعرف بعملية خليج الخنازير، ثم فعلت الشيء ذاته في نيكارغوا وفي مواجهة الثورة الساندينية الناشئة هناك أواخر السبعينيات، ومثل هذا وذاك وبأشكال مختلفة في هاييتي وغرينادا وغيرها، ثم شكلت ما يسمى «المقاتلين من أجل الحرية» أي المجاهدين في افغانستان لمقاتلة الاتحاد السوفييتي وقواته حينذاك.
في كل هذه الغزوات الأميركية المباشرة أو غير المباشرة، لم يكن هناك أسرع من قادة أميركا ومخابراتها في إطلاق اتهامات التطرف على مناهضيها والرافضين الانضواء تحت لوائها، ولا أسرع منهم في توصيف التطرف وبدقة على خلفيات أيديولوجية بحتة.. حتى حينما انقلبت أميركا على تنظيم القاعدة ونظيره الطالباني الأفغاني ومن بعده الباكستاني.. لكن :
ولا مرة واحدة في كل هذه المغامرات الدموية تحدث قادة أميركا أو مخابراتها، عما يعنيه توصيفهم لتلك الجيوش المرتزقة بـ «المعتدلة»، وعن مقاييس ومعايير وصم عناصر هذه الجيوش بالاعتدال .. تماماً كما يجري اليوم في حكاية المعارضين السوريين «المعتدلين» الذين تولت المخابرات الأميركية اختيارهم وتشكيلهم وتدريبهم في تركيا والأردن، وإذا كان التصنيف الأميركي للتطرف يقوم على أساس الخلفية الأيديولوجية أو العقائدية لـ «المتطرفين» فما الخلفية التي يقوم عليها تصنيف الاعتدال ؟
ورغم قيام المخابرات الأميركية باختيار «معتدليها» الستين من بين الآلاف من السوريين المرشحين، ورغم صرف عشرات الملايين من الدولارات في تدريبهم وتسليحهم في تركيا وإرسالهم إلى الداخل السوري وغياب نصفهم قتلاً أو خطفاً على يد تنظيم جبهة النصرة القاعدي، ورغم الحديث الأميركي المتكرر عن هذه التجربة وعن فشلها الذريع وفقاً للمصادر الأميركية ذاتها، إلا أن أحداً في هذا العالم لم يعرف بالضبط ما عناه الأميركيون بتوصيف الاعتدال!
فمن هؤلاء الستون الذين رأتهم أميركا معتدلين؟ وهل ثمة خلفيات أيديولوجية تشترط اعتدالهم أم لا، وأين يكمن اعتدالهم بالضبط وما مواصفاته ومعاييره؟ بل ما المعنى السياسي لاعتدالهم وكيف ينبغي أن يترجم على الأرض وفقاً للرؤية الأميركية؟
كما في كوبا ونيكارغوا وهاييتي وغرينادا وأفغانستان وغيرها، سوف نكتشف بعد حين أن هؤلاء المعتدلين إنما هم النواة التي ستعتمدها أميركا.. ليس في تصريف الحرب الراهنة على سورية اليوم، بل في قلقلة أي محاولة سورية للاستقرار السياسي مستقبلاً وفي حقبة ما بعد الحرب الراهنة أياً كانت نتائجها.. نواة لجيش رصيد يمكن أن يكون عسكرياً أو سياسياً أو حتى اقتصادياً وثقافياً!!