اقتنعت صديقتي أخيرا بزيارة الطبيب النفسي بعد أن باءت محاولاتها لتعديل مزاجها الاكتئابي وقلة الحماس للحياة ،ولاقتحام أسوار الطب النفسي ،تخيلت كما ترى في بعض المسلسلات الدرامية غرفة هادئة ذات إضاءة خافتة وسرير ترتاح عليه ،تتحدث بالساعات عن أوجاعها ،آلامها …أتراحها وأفراحها ..همومها ومن دون أن يقاطعها أحد وعلى صوت موسيقى هادئة ،خيال أسعدها..أيقظها منه واقع مجتمعي يربط بين المشاكل النفسية والعقلية وبعبارة أدق ربط الطب النفسي بالجنون ،وكم من مريض نفسي ذهب ضحية تلك الشبهات والأخطاء ،ضحية ثقافة العيب وخوفا من وصمة عار .
حان موعد الزيارة ،استجمعت صديقتي شجاعتها وحسمت ترددها في طرق باب العيادة لرغبتها في تغيير سلوكها الذي بات يؤثر على أداء مهامها الأسرية والمهنية والحياتية اليومية ،وآثار مدمرة على علاقاتها مع الأسرة والأصدقاء .
في غرفة جلست على استحياء ،أمعنت في وجوه المرضى من مختلف الأعمار ومن الجنسين ،وقصص تحكي ندبات لا ترى بالعين المجردة ،تغوص إلى أعماق النفس البشرية لتنعكس إحباطا وقلقا وتوترا ..اضطرابات نفسية تتطلب تدخلاً علاجياً سريعاً ،قصص تداعيات حرب وعذاب تشظت معها الأرواح والأعمار .
وخلافا لكل التوقعات ،التقى الطبيب النفسي بمرضاه في مقابلات مقننة ،محددة الوقت ،يتم من خلالها جمع المعلومات اللازمة للتشخيص والعلاج ،تشبه مقابلات المريض العضوي في التخصصات الطبية الأخرى مع التركيز على الجوانب الانفعالية والتفاعل مع المريض .
تشير إحصائيات مديرية الصحة النفسية أن هناك حوالي مليون مواطن يعاني من اضطراب نفسي و بحاجة لمراجعة الطبيب النفسي ،من هنا كان إذكاء الوعي بأهمية استشارة الطبيب النفسي وزيارته ضرورة ومسؤولية مجتمعية ولاسيما بعد أن أصبحت عقدة الزيارة عند بعض الشرائح تحتاج بحد ذاتها إلى علاج نفسي .
في اليوم العالمي للصحة النفسية والذي يصادف اليوم العاشر من هذا الشهر ،من الأهمية تفعيل عمل ومهمة المرشدين النفسيين في مدارسنا وعلى مدار العام لتقديم الدعم النفسي لطلابنا عن طريق الإنصات لمشاكلهم وضغوطاتهم المدرسية والأسرية ،وحفظ أسرارهم ولا يتطلب ذلك إلا الحب والحضن الدافئ ومزيد من المسؤولية والصبر .
والإذاعة المدرسية بموسيقاها الهادئة وبرامجها التوعوية الهادفة ..غذاء روحي وفكري .
رويدة سليمان
التاريخ: الأربعاء 10-10-2018
رقم العدد : 16807