اقتصاد الحظيرة

لا يذهبن الظن بكم بعيداً إلى حيث المال والأعمال والشركات الكبرى التي تعرف كيف تسنتزف دمنا، ونحن نصفق لها، بكل حب ووفاء، ولا إلى قرارات أخرى تصدر عن الوزارات التي على ما يبدو أن كل من فيها يعمل فقط على رفاهنا، وجعلنا قادرين على معرفة مسارب صرف الرواتب التي يفيض الكثير منها، وكوننا لا نعرف كيف نصرفها، ولا أين نذهب بها، جعل هؤلاء المشغولون بنا، أنفسهم أوصياء بالمحبة والمونة، وبالعمل المجاني، لا المأجور…

اقتصاد الحظيرة الذي أحدثكم عنها، هو ببساطة دجاجات وأبقار، وماعزن وما يربى في المنازل ليكون عوناً للأسر على ما في الحياة من نوائب، من اللبن إلى البيض وبيع الفائض من إنتاجها، هذا الاقتصاد موجود في معظم البيوت السورية، كان موجوداً، فالبقرة تطالعك قرب البيت، وتحت شجرة التوت، والدجاجات في هرج ومرج، وثمة صوت بعيد (كش.. كش) لإبعادها عن الخضراوات التي تزرع بعد انتهاء موسم التبغ.‏

في حظيرتنا التي قدمت لنا ما جعلنا ندخل المدارس والجامعات، ونشتري أرضاً، ونلبس ونمضي في دروب الحياة، لا نعاني القلة والعوز، في هذه الحظيرة، ثلاث بقرات، وعشرات الدجاجات التي تجود علينا بالكثير، أيام المدرسة لم نكن نحتاج أن نسأل الأهل عن بضعة فرنكات كخرجية، لا، إلى الحظيرة فوراً، وحيث (مودعة الدجاج) نأخذ بيضة ونمضي إلى الدكان، تصرف كربع ليرة، تنتقي بها ما تشاء من الطيبات.‏

أما البقرات اللواتي كنا نحسدهن في فصل الشتاء، حين يتساقط الثلج غزيراً، نستيقظ على حركة نشطة في البيت، الدفء من مدفأة الحطب، و(طنجرة كبيرة عليها) رائحة الشوربة تفوح، البرغل، غير ذلك حسب ما هو متوفر، بعد مراقبة دقيقة، تحمل أمي أولاً الماء المفتر قليلاً إلى الحظيرة، لتشرب البقرات، وبعدها تطير الطنجرة إلى الحظيرة، توزع البرغل، أو الحساء بمقادير متساوية بينها..‏

لم نكن لنحتج أبداً، لأننا ننتظر وجبة التمر أو التين المخبأ لتكون عوناً لنا، نعرف أن طعام البقرات سيعود لنا، وفيراً، لن تكون جاحدة، أما الدجاجات التي تطوف حول المكان ينقرن ما تناثر من الوجبة الشهية، فلنا منهن البيض، والريش الذي يتحول إلى وسائد مريحة، بعد أن يكون مضى موسم الذبح في الأعياد التي تجمع تاريخاً من الخصب السوري..‏

تعود بي الذاكرة إلى تلك الأيام، وحين أسمع أحداً ما يتحدث عما حل بنا من فقر مدقع، ونقص بالموارد، وشح بالكثير، أسأل نفسي: كيف لامرأة ريفية ليست إلا واحدة منهن أن تدير بيتاً من اقتصاد حظيرة، وتعرف كيف تنتج وتربي، وتمضي بنا إلى بر الأمان، كيف لها أن تنتج من العدم شيئاً، ولدينا نحن موارد على شحها بسبب الحرب، نحسد على ما بقي منها… كيف لمؤسسات هدرها أكبر من إنتاجها على الرغم من أنها لو عدت التراب الذي أمامها لكانت رابحة..‏

كيف للحكومة أن تترك قطاعات كبيرة ومدرة للربح، وتعطيها لجهات تتحكم بمصير المواطن، هل قطاع النقل خارجها مثلاً.. هل انتشار رياض الأطفال وارتفاع الأقساط الشهرية خارج الأمر… قس على ذلك الكثير، الكثير..‏

وماذا لو تمنيت شخصياً لو أن البعض من تجارنا كان وفياً كما الدجاجات التي تأكل وتعطي، لماذا مصابون بخيبة الأمل، معظم من أثرى من الوطن، باع واشترى بنا، هل تربية الحظيرة أفضل من الكثيرين ممن لا يرون الوطن إلا غنيمة.. ما أشد حاجتنا إلى وقفة ضمير.‏
معاً على الطريق
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 12-10-2018
رقم العدد : 16809

آخر الأخبار
قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان