على نقيض المنتصر الذي يملك القدرة على الصفح والمسامحة والغفران فإن من طبع المهزوم الحقد والتشفّي والثأر والانتقام، وإذا كان التاريخ شاهداً على انتقام الصهاينة من مدينة القنيطرة المحررة عام 1974 من خلال تدميرها، فإن حلفاءهم الأميركيين المنسحبين من شرق الفرات تحت دخان هزائمهم وبؤس خياراتهم العدوانية يكررون نفس السيناريو بطريقة لا تقل بشاعة وقبحاً، حيث واصل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن مسلسل حربه على السوريين في محافظة دير الزور بارتكاب مجزرة جديدة بحق المدنيين تلخص الحالة المرضية التي وصل إليها مدّعو محاربة الارهاب والدفاع عن حقوق الإنسان.
التحالف الأميركي الذي ادعى زوراً وبهتاناً طيلة السنوات الماضية أنه تدخّل في سورية بهدف محاربة تنظيم داعش، وعاد ليوهم المجتمع الدولي بأن انسحابه يأتي كنتيجة لتحقيق هذا الهدف، لم ينتظر طويلاً حتى يكذّب نفسه ويفضح ادعاءاته عبر استئناف اعتداءاته على قرى وبلدات في ريف دير الزور بذريعة وجود التنظيم فيها، فإذا كانت واشنطن قد أنجزت مهمة القضاء على التنظيم الإرهابي ـ كما تدّعي ـ فما مبرر هذه الغارات التي تقتل الأبرياء في سورية، ما لم تكن تعبيراً عن حجم البشاعة والقبح اللذين يعششان داخل ضمائر صناع الحروب والموت في البيت الأبيض والبنتاغون.
القبح الأميركي لم يقتصر فقط على قتل المدنيين السوريين بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً وتدمير مدنهم وقراهم بأحدث وسائل التدمير والتخريب واختراع الذرائع المضللة لإقناع البلهاء والسذج، بل تجلى بصورة أكثر وقاحة في العرض الذي قدمه ترامب للمجرم الآخر أردوغان بإقامة «منطقة آمنة» للأطماع التركية داخل الأراضي السورية، في استنساخ لوعد بلفور الذي أعطى ما لا يملكه في فلسطين لمن لا يستحق من الصهاينة المعتدين.
وقد لا نستغرب ـ والحال كذلك ـ أن يواصل الأميركيون المنسحبون مسلسل جرائمهم كتعبير عن المأزق الذي وقعوا فيه، ولكن مهما ارتكبوا من جرائم لن يكون بمقدورهم غسل العار الذي لحق بهم أو تجميل الصورة القبيحة التي ظهروا عليها، فللشعوب وللأماكن ذاكرة لا يمكن محوها..!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأثنين 21-1-2019
رقم العدد : 16890