من قال إن الأزمات ليست صناعة احترافية بامتياز فهو واهم.. ومن لا يريد الاعتراف بوجود طبقة من السماسرة والتجار طفت على سطح الحرب كالأسماك النافقة فهو مخطئ.. وكل من يتعمد صرف نظره إلى أماكن أخرى غير المسرح العملياتي لكل من فقدوا ضمائرهم أو باعوها بأبخس الأثمان لبلع ما يمكنهم بلعه من مكاسب مادية خاصة بهم نظير قيامهم -عن سبق إصرار وتصميم وترصد- بأعمال وممارسات تجارية غير أخلاقية وغير شرعية أو إنسانية.. فهو أعمى، شأنه في ذلك شأن من لا يرى الفساد من الغربال.
هذه الكلمات ليست مقدمة تسبق محاولات البعض تنصيب نفسه كمحامي دفاع عن أي جهة عامة كانت، ولا لذر الرماد في عيون المواطن الذي ما زال مؤمناً بأن طاقة الفرج (غاز + مازوت + كهرباء + أسعار المواد والسلع الأساسية) ستفتح من جديد وفي القريب لتنزع عن كاهله جزءاً كبيراً لا نذراً يسيراً فقط من لسعات برد الشتاء الذي كان وما زال قارساً، ليس لأسباب تتعلق فقط بزيادة الطلب وقلة العرض الطاقي -عند الكل لا البعض-، وإنما نتيجة الموبقات التي يتففن تجار الحروب وصناع الأزمات بابتداعها في أسواقهم السوداء المظلمة من خلال احتكارهم ومزاحمتهم ومضاربتهم الشيطانية التي مكنتهم بأسعارهم العالية ومكاسبهم الخيالية من خطف اللقمة من معدة لا من فم المواطن.
نعم فعندما تتحوّل الحرب القذرة إلى تجارة رابحة، وباب استرزاق لدى البعض من الداخل والخارج، يصبح المشهد أكثر تعقيداً وتداخلاً، ولا سيما مع نشوء طبقة من المنتفعين والمرتزقة وأصحاب المصالح الشخصية النتنة الذين يعملون من حيث يدرون على صبِّ الزيت على نار العقوبات والحصار الجائر الذي أطبق على بعض قطاعاتنا الحيوية وتحديداً منها الطاقية كما أنفاس أصحاب الدخل المحدود الذين لم يعودوا قادرين على رؤية هذه الشريحة تسرح وتمرح على مرأى ومسمع الكثيرين، ولا يستطيعون حتى تقبل أي وعد أو تطمين (تخديري) وإنما يصرّون على مطالبة أصحاب الصفوف الأولى داخل مطبخ القرار الاقتصادي والخدمي والمعيشي والحياتي التحرك استراتيجياً لا ترقيعياً أو مرحلياً لإعادة عقارب الساعة ليس إلى ما قبل انطلاق الشرارة الأولى للحرب عام 2011 وإنما إلى ما قبل الشهر 11 من عام 2018 حيث كانت الكهرباء والمازوت والغاز في حينها في عصرها الذهبي التوفيري، رغم أنف الحرب والعقوبات والحصار والسوق السوداء.
عامر ياغي
التاريخ: الأثنين 21-1-2019
رقم العدد : 16890