عندما تتلكأ مواضع الموت في حط رحالها بيننا، تحت رعاية الخوف العبثي من كبريائنا؛ الذي تحلل بتراب أودعنا فيه وروداً تضرجت بنجيع نشتاقه، اسمه الشهداء لا بدَّ لنا من إعادة خلق حياتنا لنُبعث من جديد، في واقع نلفه بأيام الزمن البهي النقي.
لن نبقى في زمن الشقاء، فنحن من يصنع سعادة أهله، لن ننتظر رحيل الحزن الذي أصبح لصيقاً بنا، لكننا سنعيد لهم الشقاء في تلافيف الوحشة؛ التي حاولوا طهوها في وعاء أيامنا، وسني عمر أبنائنا وأحفادنا، حصى لا أمل في نضجها.
العالم كله عليه أن يتذكر دوماً، أننا في وطنٍ صبرُ أهله عقيق كريم، بلون دم أبنائه، وصمودهم من عُسر أيامه وقَرح آلامه، لكنه صبر ليس مفتوح الزمن إلى اللانهاية، فعند نفاذه رد فعلهم يكون صاعقاً، يفاجئ عدوهم بما لا يرد على بال ولا خاطر.
ظنوا أنهم بحصارنا نموت أو نستجدي أعتابهم، خسئوا نحن أقوياء الروح، رجالنا نخل باسق لا ينحني، ونساؤنا سنديان يقاوم الريح، هزمنا مغول زمن العولمة، رغم محاولتهم وأد بلادنا في جمر الشتاء، وَرَمْيِنَا في واقع مأزوم، تحت وطأة أطماعهم المتكتمة في الحرب التي أرادوا منها اغتيال غدنا، في إعدام دون محاكمة.
شمسنا تأبى إلا أن تشرق لتبدد بهيم ليال؛ دويّها الجنائزي كان وما زال يسعى ليزرع أوزار الحرب في قلوبنا، ويحقق مآرب دنيئة استعصت في أنانية من باع لهم نفسه، فأصبح بوقهم في تحويل وجهة العدو، من الصهيوني الغاصب إلى الإيراني الصديق.
سورية وطنٌ، طُمُوحُ مؤسسه ما زال يسري نبضاً في عروق أبنائه، يوقظ فيهم الإبداع والنبالة، ليبقى عظيماً، عرفوا عظمته في أحجار أزقته وأدركوا حقاً أنه قلب العروبة والعالم، وطن محشو بالفراشات وأسرار الأمل الرحب، عاشق للغناء في عزّ البكاء.
اخلع نعليك أنت في شام شريف، امش حافياً واحمل أفخر الألقاب فأنت الشامي الذي أنبت أول حبة قمح في زمن قحط، وأمطر الغيم قروناً، قطف نجوم السماء وزرعها على أكتاف بنيه، دق أجراس الإنذار بين أعدائه، ليزهر جولانه بعروق من مرجان
منذ جلاء الفرنسي أول مرة عن أرضنا حيث لا مكوث إلا للخير، ونحن محاصرون، يضيق علينا مرات ويتخلخل أحياناً بجهد الأصدقاء، نهضنا ومخرنا عباب الصقيع زَرَعْنَا.. وَحَمَانا الفرات من العطش، نسجنا ولبسنا، وَحَمَتْ ظهورنا صخور قاسيون.
حاولوا اغتيال قمر ليالينا.. فكان مصيرهم الهاوية.. رسمنا بأصواتنا ودماء الغابرين ضياءً لأكثر من أربعين عاماً.. كانت الشمس فيها ملك يميننا.. انكفأ فيها كبر وغرور أعدائنا، محونا خطوطهم المبهمة، وتجاعيد الأيام التي كانت لتنال منا، بألوان قزح.
امتلأت بيادرنا والصوامع، ومصانع النسيج، وصناعات الوطن التقليدية والتراثية والحديثة، فاحت في جنبات الوطن كعطر الجوري والياسمين.. توسعت آراؤنا، بحثاً واستقصاءً للمعلومة.. سعدنا وشقوا.. فأدخلونا في دوامة جذب ونبذ، بين مدح وقدح.
نالنا وقتها كثير من العسف والإساءة.. دون إثم اقترفناه إلا أننا عشقنا وطننا.. حاولوا تقييدنا بصكوك العزلة لصالحهم.. لما فشلوا أدخلوا لنا مدرسة الفساد الذي ينخر الدول ملأنا واحاتنا بالأقحوان والسوسن، والفراش وشقائق النعمان فأجمعوا علينا بالسيف والإلحاد، وأحكموا الطوق بحربنا من كل أعداء الإنسانية.. لكننا قاومنا وانتصرنا.
لم يبق أمامنا إلا أكمة أخيرة ربما هي ذروة أو جبل شاهق ..ادلب سنتجاوزها مهما شقَّتْ علينا أيامها. لأننا نحب الوطن.وطن سيعود ولده النائي ليزرع معنا الأجمل. فيزغرد صليل معاني الحروف. نوثق العقد الاجتماعي، ونبدع أكثر من فنان محترف
ما زال صوت العصافير على أغصان الشجر، وصوت الباعة الجوالين يصدح في شوارع الوطن.. سنصنع الغد الأجمل يداً بيد.. نوازي سيرنا نحو المستقبل في ثقة وثبات، كما ثبات الصخر على تراب أرضه.. هي أنشودة العشق فينا التي لا تنتهي.
عقولنا مشحوذة لمواجهة حرب العقول.. أما من لاذ بالزوايا أسير حساباته الضيقة، منكمشاً في جحره نائياً، صديقاً أخاً كان، أو ابناً للوطن، لن يعيقنا في مسيرة البناء وإعمار حياتنا من جديد.. بذورنا معقمة؛ أرضنا طاهرة؛ وماؤنا نقية، ونتاجنا الأجمل.
حاربونا بالعولمة التي مزقت أصول ثقافاتنا، لكننا تجاوزنا مواضع التأمل لعبثيتهم، والآني مما يسعون لتخريبه فينا، ارتدَّتْ الويلات التي أمطرونا بها؛ عليهم من شعوبهم صمودنا أصبح علامة فارقة في الحرب ضد حريات الشعوب، ما جعل خطابهم يرتعد.
حوصرت إيران منذ أربعين عاماً، من الشيطان الأكبر أمريكا، لم تهن ولم توهن امتشقتْ سواعدُ أبنائِها الهممْ، حتى أصبحت تخيف من ظنوا أنهم كبار، ومتحكمون بمصائر الشعوب للأبد، سعدت وشقوا، كما شقي بسعدنا البعض بعد ضنك الثمانينات
اليوم الكل يخطب ودنا ويتراجع، وجلاً وخوفاً من ترامب صاحب البيت الأبيض، في الزمن الأسود لمعظم دول العالم، بفضل جشعه للمال وسياسته النقدية، وجهله السياسي، أرواحنا لن ينطفئ سراجها ما زال زيتون إدلب الخضراء يطرح زيتاً صافياً كقلوبنا.
أرواحنا تُنْبِتُ الحرية من سنابلنا الذهبية، وجوزات القطن الثلجية، خصوصياتنا لنا، دستورنا، قوانيننا، قيادتنا، رئاستنا، جميعها ومستقبلنا سنمهره ببصمتنا، علامة مسجلة.. وطننا واحد مقدس لا يقبل القسمة.. وجامعة أبو الغيط لا تستهوينا، فلتبكم أفواههم ولتسمع آذانهم.. هم الأشقياء.. ونحن السعداء في كل حين.. وإلى أبد الآبدين..
شهناز فاكوش
التاريخ: الخميس 14-2-2019
رقم العدد : 16909