لم يكن مؤتمر (وارسو) الذي ولد ميتاً سوى أحد أهم تداعيات انتصار سورية على مشروع التقسيم والتدمير الذي قامت به الدول المصنِّعة للإرهابيين بهدف إلغاء الدور العربي الممانع الذي قامت وتقوم به سورية وصولاً إلى إجهاض (صفقة القرن) المشؤومة لتكريس الكيان الصهيوني وقوننته وشرعنته من خلال ذلك المؤتمر الهجين الذي عقد برعاية أميركية – إسرائيلية وحضرته دول عربية هي أساساً بدأت بالتطبيع منذ زمن بعيد مثل مصر والأردن والإمارات ووزراء دول أخرى مهيأة أصلاً للتطبيع مثل السعودية وسلطنة عمان والبحرين على سبيل المثال لا الحصر.
لقد شاهد الجميع وجوه الوزراء العرب المكفهرة وخزيهم وهم يدخلون ويخرجون من الأبواب الخلفية لمبنى المؤتمر وهروبهم من الإعلام وتواريهم عن الكاميرات.
لقد كاد المؤتمر وما دار فيه من نقاشات وما انتهى إليه من مقررات أن يمر مرور الكرام في شحن الكراهية لإيران وشيطنتها وتحويل العداء في الوجدان العربي من اسرائيل (دولة الإرهاب) إلى إيران، لولا صحوة الشعوب ووعيها على هذه المؤامرة التي تهدف أساساً إلى الإجهاز كلياً على القضية الفلسطينية، لكن خاب أمل الجميع.
إن كل ما في الأمر أن (وارسو) هو أن يجري التطبيع الذي كان في السر أو تحت الطاولة إلى العلن، أي أن هدفه باختصار هو التطبيع مع دولة الإرهاب بدلاً من تصنيع إرهاب شذاذ الآفاق لتنفيذ المشاريع.
لقد حُشرت أميركا التي لم تطأ أرضاً إلا وحولتها إلى بؤرة توتر واقتتال وحرب وفتنة ودمار ولهذا ابتدعت (وارسو) بعد أن فشل مخططها وتراجع دورها ليس فقط في المنطقة بل على مستوى العالم وفي الدول التي كانت تعتبرها مركزاً لمصالحها الحيوية لصالح المحور الروسي الصيني، ولم يستثن هذا التراجع عدداً من دول الاتحاد الأوروبي التي بدأت تعاني جراء تبعيتها لأميركا التي تستأثر بمكاسب الحروب وتترك الخسائر للحلفاء الأوروبيين.
وبدا واضحاً فشل المؤتمر بعد انفضاض الحاضرين وانكشاف أمرهم أمام شعوبهم فعادوا ليغسلوا أيديهم من التطبيع المباشر بتصريحات هزلية خوفاً على عروشهم لأنهم لم يعودوا واثقين بأن بإمكان أميركا أن تضمنها لهم.
إن العقوبات الأمريكية على إيران فشلت ولم تؤثر، ولأن كل السياسات الأمريكية، من حرب اقتصادية وحرب نفسية وحرب بالوكالة وحرب الثماني سنوات ضد إيران فشلت ولم تؤثر عليها، بل مضت بسياساتها ونجاحاتها، لذلك كان لا بد من مؤتمر مثل (وارسو) يشبه السيرك التهريجي، لتعويض هذا الفشل، لكن هذا المؤتمر أبرز الانقسامات في العالم ولم يعد بإمكان الولايات المتحدة التأثير على أحد، من خلال حشد الأوروبيين والعربان لإنشاء حلف ضد إيران، ولهذا نرى مشاهد سوريالية مضحكة مثل تحركات ابن سلمان واستثماراته المليارية الوهمية في الدول الآسيوية مثل باكستان والهند والصين، ونرى أيضاً تحركات الأوروبيين الخجولة والتي تعكس مدى تدهور اقتصادها بفعل تبعيتها لأميركا، وليس من المستغرب أن نشهد انقسامات حادة في الاتحاد الأوروبي حيث كل دولة ستضطر لإنقاذ نفسها بالطريقة التي تراها مناسبة.
وإن غداً لناظره قريب..
د. عبد الحميد دشتي
التاريخ: الثلاثاء 26-2-2019
الرقم: 16918