لم يكن مفاجئاً بأي حال من الأحوال إقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ارتكاب موبقة دنيئة بحجم اعترافه الفاجر (بشرعية) احتلال الكيان الصهيوني للجولان العربي السوري، وهو الذي ارتكب جريمة الاعتراف بالقدس المحتلة كعاصمة لإسرائيل قبل أكثر من عام، وباشر بنقل سفارة بلاده إليها، رغم استهجان واستنكار ورفض العالم لهذا السلوك الخطير، فتصرفات الرجل منذ تسلم مقاليد الحكم في البيت الأبيض تدلّ على تنامي ورسوخ النزعة الصهيونية في تفكيره وسلوكه بحيث تدفعه لتقديم كل ما تحتاجه إسرائيل في ظروف دولية كهذه، وهو الطامح لولاية رئاسية ثانية من الصعب ضمان الحصول عليها من دون دعم اللوبي الإسرائيلي الممسك بمفاتيح القرار الأميركي.
تدرك إسرائيل جيداً أن حماقة ترامب الجديدة لا تمنحها صكاً شرعياً في الجولان يحصنها من تبعات احتلالها له، لأنها خطوة مخالفة للقانون الدولي وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، إضافة إلى كونها عملاً تصعيدياً خطيراً يزيد من احتمالات تفجير المنطقة، ولكن نتنياهو المأزوم داخلياً في أكثر من ملف بحاجة لجرعة دعم تبقيه على أمل الفوز بانتخابات الكنيست الشهر القادم، وهو ما دفع الصحافة الصهيونية لوصف إعلان ترامب بأنه (هدية الانتخابات لنتنياهو).
لكن من الواضح أن حماقة ترامب لم تكن معزولة عن حالة الهرولة العربية المزرية باتجاه التطبيع المجاني مع إسرائيل والسعي لإنجاح (صفقة القرن)، حيث كشفت الصحفية البريطانية فيكي وارد عن نية النظام السعودي دفع تعويضات مالية للفلسطينيين وتقديم أراض بديلة لهم عن أراضيهم المحتلة لضمان موافقتهم، وليس بعيداً عن ذلك رحب أحد مثقفي البلاط السعودي ـ في خطوة لا تقل دناءة وانحطاطاً عن مساهمة ببلده بصفقة القرن بإعلان ترامب وهنأ المحتلين.
في كل الأحوال، ليس غريباً على واشنطن التي تعلن دعمها لاسرائيل ليل نهار، أن تفعل ما فعلت، وهي التي منعت تحرير الجولان عام 1973، حين قدمت جسراً جوياً لدعم الجيش الإسرائيلي المهزوم على قمم وسفوح جبل الشيخ، وأياً يكن ما تفعله واشنطن سيبقى الجولان مهوى أفئدة السوريين ومرمى عيونهم، وبوصلة بندقيتهم الساعية دائماً لتحريره، وللتتذكر إسرائيل أن الخطر دائماً يأتي من الشمال..!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأثنين 25-3-2019
رقم العدد : 16939