بين الواقع والشائعة

يزدحم الشارع السوري بالشائعات التي لا تقف عند شارات المرور ولا تهاب عصا الشرطي المترصد الحذر! يبدو أن خلو الشارع من السيارات ومن زحمة المستهلكين سهل مرور الشائعات وتمددها من الرصيف إلى البيوت وسكان البيوت بحيث لم يعد هناك مجال لدرء خطر هذه الشائعات التي تتكاثر مثل الفطر.. منها عن المحروقات ومنها عن الخبز والرز والأدوية وغير ذلك من مواد تعطل الحياة في أي بلد.. ما أدى إلى جعل المواطن السوري يتحرك حذراً خائفاً من الغد الذي لا يستطيع التكهن به.. وهذا ما يؤكد عليه ابن خلدون حيث تزداد الشائعات في الحروب والأزمات وتزداد الخرافة ويصدق الناس الأساطير ويتناقل الشعب المعجزات الوهمية وتكثر السرقة والنفاق والغش وتسوء الأخلاق. ولعل الذي يراقب الشارع في كل الوطن العربي يتأكد مما قاله ابن خلدون ويلمس الخراب الأخلاقي والقيمي ليصبح المال هو الهدف الأول والأخير للفرد.
إن الترويج للشائعة لا يحتاج إلى الكثير من الجهد.. يكفي أن تطلقها وسائل الإعلام المعادية أو الصحافة الصفراء. أو الذين عقولهم متحجرة وقلوبهم سوداء لتبدأ هذه الأقاويل الزائفة بأخذ طريقها إلى المواطن الذي (يتعلق بحبال من الهواء) فلا يعرف كيف يرفض أو يصدق لأن لا دليل لديه على كذب أو صحة الشائعة.
لقد تخلخلت الثقة بين المواطن وبين المسؤول.. بين الفعل وبين النظرية.. وما إن تتحدث إلى أي مواطن عن الحرب وأزمات الحرب وعقابيل هذه الحروب حتى ينبري بالقول (فلان صار عنده قصر وكان قبل الحرب لا يشبع الخبز.. وفلان عنده أربع سيارات لم ينقطع وقودها..) وهكذا تبدأ اسطوانة الشك ولا تهدأ لأن الدليل على ما يقوله المواطن موجود.. ولأن هذا المواطن قدم أبناءه للشهادة من أجل الوطن وبصعوبة بالغة يتابع الحياة بينما طفت على السطح طبقة جديدة من أثرياء الحرب وأثرياء ما قبل الحرب (وعينك عينك) يحرقون قلوب أمهات الشهداء وعائلات الجنود والجرحى، وهم يملؤون المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية الفاخرة.. وينظرون (من عل) إلى القوم البائس الذي يعبر ماشياً في شارع تعوزه النظافة المادية والمعنوية.
لقد ازدادت الهوة بين الناس.. وعاد سلوك الآغا والفقير، أو السيد والأجير إلى الواجهة.. ناس تقدم دمها وهي جائعة، وناس بطونها مترعة تتباهى بجشعها ولا تعرف كيف تعمل حمية أخلاقية وتقتنع بما وصلت إليه بل دائماً هناك (هل من مزيد) الفقير يزداد فقراً والغني يزداد غنى.. والمسافة بين الطرفين صارت مذلة ومهينة.. وسطوة المال فوق كل سطوة. فهل عدنا إلى ما قبل (ثورة الثامن من آذار؟).. هل ضاع كل ذلك الزمن النضالي هباء؟ من يحمي الفقراء الذين هم الأساس في بناء الأوطان وبناء الجيوش والدفاع عن الأرض؟ كيف نستعيد ثقة الفقراء والمظلومين بالنضال للحصول على حقوقهم؟ لقد لوحظ في السنوات الأخيرة ميل الفقراء إلى الصمت، وإلى اتخاذ قناع الاكتفاء والقناعة، لم يعد لديهم رغبة بمقارعة الغلط ولا بمواجهة اللصوص، كأنما حالهم يقول: لا جدوى من المواجهة ولا جدوى من المجابهة، الزائفون يزورون التاريخ ويقطعون رأس الحقيقة وربما يشوهون الزمن ولديهم السيوف القاطعة فماذا يجدي الوقوف في وجه هؤلاء القادرين على قلب الحق إلى باطل وتحويل المظلوم إلى ظالم؟.
لدينا الكثير من الأمثلة التي لا تطول جهة معينة فقط بل هي تطول معظم القطاعات والمؤسسات والأفراد الفاعلين على الساحة السورية المنكوبة بمعارضة عميلة مرتهنة للغرب وبأفراد من المسوؤلين لا يعنيهم سوى جيوبهم وقلاعهم وحصونهم ومزارعهم بينما الشعب الذي يرسل فلذة كبده إلى المعركة يقف بالدور من أجل ربطة خبز وصفيحة بنزين ومعونة قد تأتي كاملة وقد تأتي نصف كاملة أو لا تأتي أبداً حيث إن بعض المشرفين عليها هم بحاجة لثمنها أكثر من أبناء الشهداء والفقراء.. ثم نتساءل لماذا يصدق الناس الشائعات؟.

أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 24-4-2019
الرقم: 16963

آخر الأخبار
الرئيس الشرع يستقبل وفداً كورياً.. دمشق و سيؤل توقعان اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية الدفاع التركية تعلن القضاء على 18 مقاتلاً شمالي العراق وسوريا مخلفات النظام البائد تحصد المزيد من الأرواح متضررون من الألغام لـ"الثورة": تتواجد في مناطق كثيرة وال... تحمي حقوق المستثمرين وتخلق بيئة استثماريّة جاذبة.. دور الحوكمة في تحوّلنا إلى اقتصاد السّوق التّنافس... Arab News: تركيا تقلّص وجودها في شمالي سوريا Al Jazeera: لماذا تهاجم إسرائيل سوريا؟ الأمم المتحدة تدعو للتضامن العالمي مع سوريا..واشنطن تقر بمعاناة السوريين... ماذا عن عقوباتها الظالمة... دراسة متكاملة لإعادة جبل قاسيون متنفساً لدمشق " الخوذ البيضاء" لـ "الثورة: نعمل على الحد من مخاطر الألغام ما بين إجراءات انتقامية ودعوات للتفاوض.. العالم يرد على سياسات ترامب التجارية "دمج الوزارات تحت مظلّة الطاقة".. خطوة نحو تكامل مؤسسي وتحسين جودة الخدمات بينها سوريا.. الإدارة الأميركية تستأنف أنشطة "الأغذية العالمي" لعدة دول The NewArab: إسرائيل تحرم مئات الأطفال من التعليم الشعير المستنبت خلال 9 أيام.. مشروع زراعي واعد يطلقه المهندس البكر في ريف إدلب برونزية لأليسار محمد في ألعاب القوى استجابة لمزارعي طرطوس.. خطّة سقاية صيفيّة إيكونوميست: إسرائيل تسعى لإضعاف وتقسيم سوريا المجاعة تتفاقم في غزة.. والأمم المتحدة ترفض آلية الاحتلال لتقديم المساعدات أردوغان يجدد دعم بلاده لسوريا بهدف إرساء الاستقرار فيها خطوة "الخارجية" بداية لمرحلة تعافي الدبلوماسية السورية