الملحق الثقافي-سامر منصور:
الثراء – الحُب – الجمال – الاجتهاد والكفاءة.. أي هذه القيم الاجتماعية يغلب على الآخر.. لعله الجمال.. ذلك أنه مِفتاحُ الحُب وغاية الثراء.. من منا لا يريد أن يقترن بفتاة جميلة؟ وهل نرى في أشعار وروايات الأدباء وقصصهم ومسرحياتهم إلا أبطالاً في غاية الجمال حتى لو كانوا فقراء.. فالأمير الوسيم يأتي على ظهر الحصان الأبيض وكل ما يتعلق ببطل الحكاية (الإنسان القدوة) جميل من سيفه إلى تسريحة شعره.. وحتى شاشات السينما والتلفاز يظهر لنا فيها أبطال الأفلام غاية في الجمال.. أما عن قولي الجمال غاية الثراء.. فنحن نرغب في الثروة كي نبتعد عن كل ما هو قبيح ونقترب من كل ما هو جميل في مسكن وملبس ومركب..إلخ.
وحتى عندما نقول عبارة (سنذهب في عطلة سعيدة) يُفهم ضمناً أنها عطلة على شاطئ جميل يحيط بنا خلالها كل ما هو جميل.. وقد قال جبران جبران عن الحب بغير جمال هو كالأزهار بغير عطر وأثمار بغير بذور.. الجمال هو غاية الغايات، وحتى في الأديان الوضعية فإن الفردوس هي حلم العقل البشري الذي تجتمع فيه كل عناصر الجمال.. ولكن المشكلة تكمن هنا على الأرض وفي كل المجتمعات. إن التكريس لفكرة الجمال يشجع أنماطاً استهلاكية وأشكالاً من المِهن وأنماطاً تجارية عاش الإنسان لمئات آلاف السنين وهو في غنى عنها، كعمليات التجميل، وتبييض الأسنان، ودبغ الوشوم (التاتو) وتهديد أجناسٍ من الكائنات بالزوال لأجل فرائها أو عاجها.. إلخ.
والأخطر من هذا كله أن الجميع يريد تبديل هاتفه المحمول كل بضعة أعوام لا لعطلٍ أصابه أو تلف، وإنما لأن هناك ما هو أجمل، أصبح متوفراً في الأسواق، وحتى السيارات لا يتم استبدالها لأنها لم تعد تصلح لأداء وظيفتها، وإنما تستبدل معظم السيارات حول العالم فقط لأن هناك سيارات أجمل باتت متوفرة. بمعنى أنه ليس كل من يقتني سيارة رياضية هو في حاجة إليها فقد يكون من سكان مدينة مكتظة، وليس كل من يقتني عدة هواتف محمولة هو في حاجة إليها.
ويمكن لأي إنسان من الطبقة الوسطى أو ما فوقها الاستغناء عن نصف ما يمتلكه من ملابس لأنه ليس في حاجة حقيقية إليها.. وهناك مئات الأشياء التي نقتنيها فقط لأنها جميلة.. والصناعة تقوم على مبدأ سد حاجة الأسواق، والأسواق باتت مسعورة تجاه كل ما هو فريد وجديد وجميل. نحن نستنزف موارد الكوكب وننشر التلوث لأننا نبحث عن الجمال خارج ذواتنا. نريد أن نجلب كل ما هو جميل ونحيط أنفسنا به، وهذا سلوك حكرٌ على الإنسان لا تمارسه بقية الكائنات. فهل هذا يعني أننا كائنات قبيحة جداً تهرب من قبحها إلى كل ما هو جميل؟ أم أننا لم ندرك بعد جمالنا الحقيقي؟
نحنُ لسنا كائنات سامية تتذوق الجمال وتعشقه، فمن الواضح أننا مصابون بالتطرف وبتنا مدمنين على اللهاث خلف كل ما هو جميل. هناك طفل يموت من الجموع في كوكبنا كل نصف دقيقة تقريباً. والسؤال هو: هل هناك شيءٌ أكثر جمالاً من الأطفال؟ لكن من يكترث، فما دام الطفل ليس ابننا فهذه ليست مشكلتنا. هذا لسان حال البشرية.
ومع عميق الأسف، الآداب الخالدة التي ظهرت قبل القرن التاسع عشر (التي أبطالها الفتاة الحسناء والأمير القسيم الوسيم الذي يأتي على حصانٍ أبيض)، وأفلام السينما الحديثة (حيث البطل وسيم يركب سيارة أو دراجة نارية مميزة) والبرامج التلفزيونية وحتى مذيعة نشرة الأحوال الجوية وحتى برامج الأطفال.. كل هذا يزرع في عقولنا ويومياً أن الجمال هو القيمة الأسمى.. فيكفي أن يخلق الله فتاة جميلة حتى تحصل على جلّ ما تريد من الحياة.. ومن منكم أيها الشباب لم يتذمر لأن الفتيات يحصلن على الوظائف في القطاع الخاص أكثر من الذكور؟
إن الجمال يُقدم على الكفاءة في جلّ أنحاء العالم، وإن تساوت فتاتان في الكفاءة يتم اختيار الأجمل، فما ذنب الفتاة العادية إن كان الله خلقها على هذه الصورة؟ جلّ اللصوص الكبار والفاسدين على وجه المعمورة يختلسون ويسرقون ويزيفون كي يحصلوا على ما هو خير مما بين أيديهم من متاع الحياة الدنيا، ليس لأنهم يحتاجونه بل لأنه ببساطة (أجمل).
هل نحن البشر نستطيع أن نكون موضوعيين؟ ونولي التكامل جل اهتمامنا سواء تكامل سجايا وصفات الناس الذين نرغب بتقريبهم إلينا أم تكامل وجودهم مع بقية مناحي حياتنا؟ أم نحن محكومون بالتفاضل؟ دوماً نفضل هذا على ذاك وفق أهوائنا لا وفق معايير موضوعية؟
إن البشرية باعتقادي تضيع الكثير في الصراع الذي تعيشه بين المظاهر والموضوعية.
التاريخ: الثلاثاء 28\5\2019
رقم العدد:16988