الثورة أون لاين _ ابتسام هيفا :
في محاضرة للباحث نبيل عجمية عن الموروث الشعبي السوري بعنوان “الموروث الشعبي لجبال الساحل السوري ” في المركز الثقافي بمدينة جبلة.
اوضح ان التراث قيمة إنسانية وحضارية كبرى باعتباره أرشيفا يسجل ذاكرة الشعوب والمجتمعات البشرية ويوثقها .. وهو القيمة التي يفرغ تاريخ الأمم من دونها من أي مضمون حقيقي يذكر ومن أي دور فاعل ما يحث جميع الشعوب على التمسك بتراثها والاعتزاز به .. و اشار الى ان التراث منبع من منابع الإبداع كونه نتاجا حقيقيا لمعتقدات دينية وظروف اجتماعية تم تجسيدها في صور فنية بديعة .. كما أن التراث هو صلة وصل بين الأجيال عبر الزمان ، فهو يبعث في الأفراد الشعور بامتداد جذورهم في التاريخ ما يعني تعزيز الانتماء إلى الماضي ومواصلة الاستمرار في الحاضر وبالتالي ترك أثر لمن يخلفهم سابقا.
حيث تحدث المحاضر عن أجدادنا الذين تتحدث أشجار الجبال وشمس البيادر ..عن كدهم ..وتخبىء دروب العيون وساحات القرى صدى أصواتهم .. وتحت أشجار التوت والدوالي ألوان حكاياتهم .. ذكريات و حكايات الأجداد أغانيهم و أحلامهم التي تشبه غابات السنديان ..مواسم الحصاد و قطاف الزيتون و صناعة الحرير و كل ما يتعلق بالموروث القديم للأجداد .
وأشار الباحث عجمية إلى أن إرث الأجداد في الساحل السوري مدون في ذاكرة الناس إما من خلال أغنية أو مقولة تلخص حادثة مرت و يتناقلها الناس لأهميتها في حياتهم أو من خلال مقطوعة شعرية تصف ثيابهم أو أمثال اختزلت نوائب الدهر و مواويل حزينة تصف معاناتهم لاسيما في زمن الاستعمار.
و تحدث عن بيادر القمح قائلا :
اليوم غابت تلك البيادر العامرة بكومات الحبوب و التبن على البيدر و انتهت تلك الأعمال المرهقة التي كانت تمتد حتى تتدفق مزاريب تشرين عن أسطحة البيوت الطينية … و الحنطة لم تخزن في المنزل بعد ..
انتهى زمن كان فيه الفلاح يفلح الأرض في كانون و قرن الزميتي أو الماء المتجمد على شوارب الفلاح .. رحم الله تلك القلوب التي كانت تموت من شدة التعب لتبقى الأرض حية معطاءة .
لم يعد لشمس كانون التي كانت تبعث الدفء في الأجساد..لم يعد لها ذلك البريق الذي كان يدفع الصبايا للغناء مشبهين العروس لشمس كانون : عروسنا يا عود ريحاني .. يا شمس كانون يا قمر نيساني ….
وغاب صوت الأطفال مع الزمن و هم يجولون حارات القرية و زواريبها مرددين .. يا ربنا ياربنا تبعت مطر لزرعنا …هنن الكبار مأذنبين نحنا الصغار شو ذنبنا …
فتجيب الجدات : زيدو يا وليدات زيدو .. نحنا المطر منريدو …
حكايا الجدات ذهبت أدراج الريح و غاب معها نجومها … الأطفال الذين يتحلقون في السهرة متربصين على حصيرتهم و فوقها قطع اللباد … ينظرون إلى الجدة و حركة يدها الموحية و ملامح وجهها المؤثرة و حكاياتها التي لا تنتهي مما تختزنه ذاكرتها و التي تبدأها بعبارة .. بدي احكيلكم حكاية من هون للدفلاية … ومع الحكاية التي غابت … غاب أيضاً امتحان الحزازير التي كان الأجداد يحاولون من خلالها تنشيط ذاكرة الأطفال ..
كما تحدث الباحث عجمية عن مواسم الحصاد حيث كانت أفراد الأسرة تعمل منذ ساعات الفجر الأولى و حتى غروب الشمس لأسابيع طويلة لتنتعش الآمال بعد ذلك فبعضهم ينتظر الموسم لتزويج أحد الأبناء أو لتمويل تعليم الآخر في المدينة و بعضهم يطمح في بناء بيت جديد … و أمنيات كثيرة لا حصر لها تنتظر انتهاء الموسم ..
و ذكر الباحث عجمية أن الأجداد في موسم الحصاد كانوا ينشدون
أرض جدودنا و أرض بيتنا …. عمرها ما كذبت علينا
عم نعطيها من تعبنا ….. و من خيراتها عم تعطينا
منزرع حبة بتعطينا مية …. و أختي و خيي فيها سوا ربينا
و عن موسم الزيتون ذكر الباحث عجمية أنه موسم الاستمتاع بمراحل القطاف و الجني يثير في النفوس العبق الأصيل و الشذى المحمل برائحة التراب وسط مناخات و أجواء تعاون مميزة و صوت الصبايا يرتفع .. على دلعونه و على دلعونه زيتون بلادي أحلى ما يكونا
زيتون بلادي و اللوز الأخضر و الميرمية و لا تنسى الزعتر “
أما عيد الرابع في الساحل أوضح عجمي أنه يمتد عميقا في الحضارة السورية القديمة حيث يمثل رأس السنة السورية بحسب الميثولوجيا الأوغاريتية وتقام الاحتفالات معلنة قدوم أعياد الخصب السورية مع بدء فصل الربيع ..
وعن البيت الطيني قال الباحث نبيل عجمي ..
يا بيتنا الغافي ع هالتلات .. مجروح ومتيم ع فرقتنا
ما عاد في لمي ولا قعدات .. يا ريت نعرف شو حكايتنا
ومن الجدير بالذكر أن هذه الطقوس ارتبطت عضويا بسورية القديمة فكان الأقدمون يعتقدون بأن سورية هي المسرح الذي جرت عليه فصول عملية الخلق لأنها الوحيدة في العالم التي نجد فيها فصول أربعة متساوية .