في إطار التمهيد الإعلامي الواسع للدورة الحادية والستين لمعرض دمشق الدولي، التي ستنطلق أواخر الشهر القادم، استضافت قناة (نور الشام) الموسيقار أمين الخياط في لقاء طال ذكرياته عن بدايات المعرض، وعن مسرحه ومهرجانه الفني، وعن (مقهى الفنانين) الذي أقاموه في مدينة المعرض، إثر عدوان حزيران (يونيو)عام 1967 دعماً للمجهود الحربي، وتطوعوا لتقديم الخدمات لزواره.
أقيمت الدورة الأولى لمعرض دمشق الدولي بتاريخ 1 أيلول (سبتمبر) عام 1954 واستمرت شهراً كاملاً، على مساحة من الأرض قدرها 250 ألف متر مربع تمتد من المتحف الوطني شرقاً إلى تخوم ساحة الأمويين (الحالية) غرباً، ومن نهر بردى شمالاً، إلى حدود أبنية الجامعة السورية (جامعة دمشق حالياً)، إضافة لشارع الرئيس (شكري القوتلي) الموازي لبردى، وللحديقة الممتدة من طلعة التجهيز وحتى قصر الضيافة (والتي يشغلها حالياً فندق الفورسيزنز). وعلى هذه المساحة توزعت أجنحة الدول التي شاركت في الدورة الأولى للمعرض، وبلغ عددها 26 دولة إضافة إلى عدد كبير من المؤسسات الصناعية والتجارية في سورية.
بلغ من اهتمام الدول المشاركة في المعرض أن عرضت الولايات المتحدة في دورته الأولى اختراعها السينمائي الجديد المبهر (السينراما) لأول مرة خارج أراضيها وبعد عامين فقط من ظهوره في نيويورك، وتم العرض وسط حضور كبير في المساحة التي شيد عليها في السنة التالية مسرح المعرض. و(السينراما) هي شاشة نصف دائرية كبيرة جداً بارتفاع شاهق، يُرشق عليها الفيلم من ثلاث كاميرات عرض، تُكمّل كل منها صورة الأخرى، ويرافق العرض أصوات مضخمة تدخل في كيان الإنسان كله. وبتقنية عصرها الأحدث (السينراما) أفتَتَح المهرجان الفني لمعرض دمشق الدولي عام 1954 بعرض أوبرا (عايدة) للموسيقار الإيطالي (فردي). ولم تتضمن دورة المعرض الثانية عام 1955 أي عرض فني لعدم استكمال بناء المسرح. ويمكن اعتبار عام 1956 عام الانطلاقة الفعلية لمهرجان المعرض، وعنواناً لمستواه الرفيع، فقد كانت عروضه عالية المستوى، تضمنت أوركسترا فيينا السيمفونية العالمية، فرقة ألمانيا الشرقية، فرقة الفنانين ونجوم السينما السوفييتية،الفرقة الموسيقية الفولكلورية الهنغارية. وفي العام التالي (1957) وقفت السيدة أم كلثوم على خشبة مسرح المعرض في أمسية لا تنسى. وعادت لتقف على الخشبة ذاتها في العام التالي وكان ملايين المستمعين العرب ينتظرون الحفل بشغف، وخاصة في العراق، حيث كان من المقرر أن يتضمن الحفل أغنية من كلمات الشاعر محمد مهدي الجواهري، تحية للجيش العراقي، لكن مرض ملحن الأغنية رياض السنباطي وعدم قدرته على المجيء إلى سورية حال دون تقديم الأغنية.
شهدت دورة 1959 أول مشاركة للسيدة فيروز والفرقة الشعبية اللبنانية في المهرجان الفني لمعرض دمشق الدولي، وما لبث أن أصبحت هذه المشاركة محور المهرجان، والحدث الأهم فيه، حتى إن اللوحة الإعلانية الدائمة لمهرجان المعرض كانت تحتفظ بركن ثابت عن حفل فيروز. وإضافة إلى الاسكتشات والحفلات الغنائية، قدمت السيدة فيروز معظم مسرحياتها على مسرح المعرض، حيث تابع جمهور المهرجان بشوق روائع المسرح الرحباني: البعلبكية (1961)، جسر القمر (1962)،الليل والقنديل (1963)، بياع الخواتم (1964)، هالة والملك (1967)، جبال الصوان (1969)، صح النوم (1971)، ناطورة المفاتيح (1972)، المحطة (1973)، لولو (1974)، ميس الريم (1975)، بترا (1977). وكانت حفلاتها في مهرجان المعرض تبدأ بأغنية خاصة تحية لدمشق، شكلّت مجموعة غنائية متميزة عُرفت فيما بعد بـ(الشاميات) أو(الدمشقيات)، منها: (طالت نوى، سائليني يا شآم، قرأت مجدك، شام يا ذا السيف لم يغب، يا شام عاد الصيف…) وبعد حرب تشرين غنت (بالغار كللت أم بالنار يا شام). في عام 1966 غنت لفلسطين (أجراس العودة)، وغنت (بحبك يا لبنان) لأول مرة في دورة معرض دمشق عام 1976.وخلال مشاركتها في دورة المعرض عام 1967 مُنحت وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى.
على امتداد السنوات التالية لانطلاقه، شاركت في عروض مهرجان معرض دمشق الدولي الكثير من الفرق الفنية العالمية المهمة، إضافة للفرق العربية والمحلية، ومن هذه المشاركات: الفرقة اليوغسلافية للرقص الشعبي، فرقة علي رضا للفنون الشعبية، أوركسترا القاهرة السيمفونية، و الفرقة الفنية الموسيقية لألمانيا الشرقية، الفرقة الأميركية للتزلج على الجليد، فرقة الفنانين السوفيتيين، الباليه الملكية (لندن)، فرقة باليه بيلارلوشير الإسبانية، فرقة المنوعات البلغارية، فرقة بيلوروسيا الرسمية الراقصة، فرقة ديوك النغتون الأميركية للجاز، السيرك الملكي الهندي الكبير، فرقة بتسبورغ الأميركية السيمفونية، فرقة الباليه الألمانية الاتحادية وتشزباليت، الفرقة الصينية للغناء والرقص الشعبي، فرقة الرقص الداغستاني السوفييتي، فرقة الرقص والغناء الإسبانية الرسمية، فرقة الرقص الهندي، فرقة الباليه السوفييتية، الفرقة الهنغارية للباليه الحديث، فرقة موسيقا الحجرة البولونية، الفرقة الفولكلورية البلغارية، فرقة السيرك على المسرح السوفييتية، فرقة المنوعات الألمانيا الديموقراطية، فرقة رويكو الهنغارية، فرقة سيرك موسكو، فرقة فارنا البلغارية، فرقة باليه بولشوي.
لم يعرف شرقنا العربي مجالاً التقت فيه فنون الشعوب في التمثيل والرقص والغناء والموسيقا والرياضة مثل المهرجان الفني لمعرض دمشق الدولي، فقد جذب هذا المهرجان عدداً من الفرق والفنانين على درجة عالية من الأهمية والمستوى لم يسبق أن اجتمعوا في مكان واحد. وقد رأى المايسترو الخياط – في اللقاء الآنف الذكر- أن إحياء الإرث الفني الثري لمهرجان معرض دمشق الدولي يتطلب أولاً تشييد مسرحٍ في مدينة المعارض لا يقل عن مسرح المعرض التاريخي. وقد يكون مكشوف السقف مثله، لكن يجب أن يكون معزولاً عن صخب المعرض، ومحافظاً على تقاليد العرض المسرحي.
وهناك فرق كبير بين أن يكون المسرح مكشوف السقف، أو أن يكون مفتوحاً وسط الحركة الكثيفة للزوار.
سعد القاسم
التاريخ: الثلاثاء 30-7-2019
رقم العدد : 17037