يرسمون خطواتهم الثقافية المتشعبة والتي تمتد لتشمل غير مدينة أو ريف وغير مؤسسة أو منبر، حتى لتخال البلاد جميعها في عرس وطني حقيقي يضم الفنون جميعها وتستقطب الشرائح الجماهيرية كافة بدعوات مفتوحة لينعم الجميع بعبق أريجها وينهلون من زادها المشبع بالفائدة تارة والمتعة تارة أخرى، وفي أحايين كثيرة لقضاء وقت في التسلية والمرح.
ولاشك هناك جهود كبيرة تبذل وأيضا هناك رصيد من الميزانية يخصص كرمى عين الجمهور، يضاف إلى ذلك المتابعات الإعلانية والإعلامية اللازمة لاستكمال مستلزمات الفعاليات التي يقصدها القاصي والداني كل يبحث عن ضالته, ولكن ماذا بعد، وما هو الحصاد المنتظر؟
هنا لايمكن أن ننكر أو نتجاهل الأثر الذي يمكن أن تتركه هذه الفعاليات الثقافية بتنوعها وتعددها في نفوس البعض، وربما تشكل قيمة مضافة للبعض الآخر، ولكن هل هي حقا تؤتي أكلها كما يجب، أو هل ستحقق الهدف المرجو منها في تكريس مفهوم الثقافة والقيم الاجتماعية ومعنى الانتماء والمواطنة، وهل ستقوم بدورها المنوط بها وهو النهوض بالحراك الثقافي بما يتناسب والظروف الحالية بما تحمله من قناعات وأفكار هي متطفلة على مجتمعاتنا وعقول البعض من شبابنا؟
لابد أن نتوقف مليا عند أهمية صياغة استراتيجية ثقافية وطنية تلحظ في بنودها حاجات المجتمع وهمومه وتطلعات أفراده، وخصوصا أننا في عالم يتسع فيه الفضاء، و تتناثر فيه المعارف دون رقيب أو حسيب، وأصبحت الشبكات العنكبوتية واحدة من أهم المرجعيات للحصول على المعلومة.
فكيف يمكن أن نحقق الحصانة الثقافية إذا لم تتضافر الجهود جميعها للتصدي لكل ما من شأنه أن يمس بأمننا الثقافي، وهويتنا الوطنية، وهذا بلاشك يحتاج استراتيجية ثقافية، ونملك من المقومات العنصر البشري الهام أولا ومن ثم نحمل بين حنايا الروح والوجدان إرثا عريقا، وتاريخا حافلا بالعطاءات التي لايزال الكثيرون ينعمون بنتاجه.
ويحضرني قول مانديلا «لايوجد بلد يمكن أن يتطور حقا، مالم يتم تثقيف مواطنيه» عندها فقط ننزع عباءة الثقافة الاستهلاكية، ونبني حصنا منيعا من الثقافة الحقيقية المبنية على أسس الخير والمحبة والسلام.
فاتن دعبول
التاريخ: الثلاثاء 6-8-2019
رقم العدد : 17042