صمت يخيم على البيت، أرنو إلى الساعة التاسعة مساء، أغالب النعاس الذي يقترب مني، أسمع الصوت قادماً من المطبخ: لا تنسَ أن تناديني حين يبدأ اللقاء مع السيدة. أرد: أنا من ينتظر منك ألا تتركيني أغفو، وما بين الصوت ورد الجواب، يفر النعاس هارباً، هي مقابلة ليست عادية، ولا يمكن أن تكون كذلك، السيدة التي تابعناها شامخة، بهية نضرة، في كل ميادين الحياة السورية، تستقبل أمهات الشهداء، أبناءهم، ذويهم، تجدها بكل نواحي الفعل الوطني، هي في الملتقيات والاجتماعات، تتابع المتفوقين، تستقبلهم، تمضي إلى حيث الحقول وزراعة الورد الشامي، تتابع مشاريع كثيرة، في ورشات العمل عن التراث الشعبي، وصونه والحفاظ عليه كإرث سوري يجب على العالم صونه، ويكون الأمر كما نشتهي ونريد، وهو بداية لعمل طويل ودؤوب.
السيدة الطالعة مع ضوء الأمل، من روح الفعل والعطاء، تمضي إلى سوح الفعل غير آبهة بكل ما يحوق بصحتها من خطر داهم، لقد حولته إلى فعل مقاومة، وكيف لا؟ ألم تكن في خضم الصمود بوجه الجهل والتخلف، مرت بنا العواصف ولم ننحن، رياح هوج، ولم ننكسر، فكيف لمن نبتت من تراث وعبق وأصالة حضارة سورية عمرها عشرة آلاف عام ألا تكون كما كانت، في رحلة العمر أو من العمر، وربما كانت صفحة، وصفحة طويلة طويلة، ثمة ما يدهش، فهذه سورية، ولادة لا تعرف إلا فعل الحياة، من قلوبنا الممزقة نطعمها يومنا وغدنا، نزرع الأمل، نمضي إلى اليقين أننا حين نخوض مواجهة مع شتى ألوان العدوان، كيفما كان، مرضاً، أو غيره فنحن المنتصرون، بالثقة التي واجهت بها السيدة الأولى مرضها، كانت تبث رسائل الأمل، تزرع ياسميناً، ويخضل الوعد، فلا شيء يدعو للخوف، نقلق نعم، لكننا لن نهزم (كأننا في جفن الردى وهو نائم).
بلسمة الجراح صناعة، وأي صناعة، ليس أي أحد قادراً عليها إلا من كان جذره الضارب في أعماق الإنسانية التي هي فيض من النور، واللون والحرف السوريين، وفي لقطة هي رسالة للعالم كله: الصور التي تقول وتحكي: ها نحن في سورية، حاصرنا حصاركم، كانت حربكم الشعواء علينا تفتك بكل شيء، لكننا صمدنا، انتصرنا، هذه مشافينا، وهذا دواؤنا، باقون، صامدون، لن ننكسر، لن نهزم، نغدق النعماء على الكون، وإن كنا محاصرين، هي سيدة من وطني، من نبضنا، هي الأم التي بلسمت جراحاً، ونثرت ورداً، وزرعت ياسميناً، كل آلام رحلتها لم تكن لتثنيها عن أن تكون النغم الذي يمضي في موكب اليقين، يقين أن السوريين قلب واحد، يعرفون كيف يصنعون من المحن معراجاً إلى العطاء، بورك النبض الإنساني، وبوركت وطني من أول قطرة شهيد إلى كل بلسمة جرح، بكم نسمو، والجراحات صناعة غد تزهر.
ديب علي حسن
d.hasan09@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء 6-8-2019
رقم العدد : 17042