ثمة وجهة نظر ترى بأن الكتابة تنتعش زمن الحروب، وتتصاعد وتيرتها في المجتمعات الفاسدة مع تصاعد حدة الفوضى فيها واللاانضباط.
لا يعني الأمر ارتفاعاً في نسبة الإقبال عليها قراءةً.. لكن خاصية القدرة على انتشال موضوعات خصبة واقعية تتكاثر لدى كاتب ذي عين صائدة قادرة على التقاط «اللاذع والحار والمربك» بالآن عينه.
وكأنما نوعٌ من تناسب طردي يحكم المعادلة، فكلما ارتفعت نسبة الفوضى والفساد بمجتمع ما، أصبحت عملية الكتابة أكثر رواجاً بين ذويها.
لربما كانت الكتابة عملية للفهم والإدراك.. وليست فقط من قبيل عقد مصالحات مع الذات والآخر أو حتى العالم بأسره..
كخطوات أولى نتجاسر على ممارسة الكتابة كشغف نشاغب به.. كفعل إثبات وجود.. ثم مع تتالي المراحل وتراكمها فوق بعضها تغدو وتتكرّس وسيلةً للفهم.. أو بدقة أكبر لمحاولة الفهم.. والحفر عميقاً في ظواهر الأمور سيراً نحو باطنها وما خفي منها.
هل يعني كل ذلك أن نسبة ما يفترض أن يكون خُطّ وكُتب في سنوات حرب «الآن وهنا» مرتفعةً قياساً بغيرها من سنوات..؟
وعلى اختلاف وجهات نظر الكتّاب حول غاياتهم من فعل الكتابة، لن يتجاهلوا أنها كانت أداة لتوسيع عملية الفهم، لتكبير رقعتها ما أمكن لهم.. ومنحها أمداءً للمزيد من المعرفة، سواء أكانت معرفتهم هم أنفسهم أم معرفة الآخر/القارئ.. لأن «المعرفة أكثر من مساوية للقوة» على رأي صاحب رواية (فهرنهايت 451) الكاتب راي برادبيري.
في عمله هذا ذكرت إحدى شخصياته: «للكتاب مسام، له معالم.. يمكن لهذا الكتاب أن يوضع تحت المجهر ستجد تحت الزجاج حياة تتدفق بغزارة لا متناهية»..
فالكتب لها ميزة اكتشاف مسامات لم نكن قادرين على إبصارها دون مصادقتها.. ووجود مسامات أكثر يعني تدفق الحياة أكثر وبالتالي القدرة على فهمها أكثر.. ما يعني تهشيماً لمحاولات التجهيل.
في (حكاية خادمة) تقول مارغريت أوتوود: «وهكذا عشنا؛ كما جرتِ العادةُ؛ بتجاهلِ ما يجري حولنا. والتجاهل والجهل شيئان مختلفان كلياً» وبالطبع يختلفان عن (التجهيل).. وفيما ترى وجوب بذل الجهد تحقيقاً للأول.. نفترض جهداً مضاعفاً لمحاصرة ما يأتي منه على صيغة «تجهيل».
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الخميس 8-8-2019
الرقم: 17044