بعقليته «الشايلوكية» الجشعة للمال وتكديس الثروات، وأخلاقية اللص المجرد من كل القيم والمبادئ الإنسانية، أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تذكير العالم بالسياسة الأميركية المنتهجة حيال بقية الشعوب والأمم بإماطة اللثام عن السبب الحقيقي للتدخل الأميركي في سورية وهو طمعها بخيرات وثروات السوريين، إذ أكد مجدداً أن بلاده وضعت النفط في سورية تحت سيطرتها، وبات بمقدورها التصرف به كما تريد.
ومن دون أن ينتبه لمغزى كلامه ورسائله المبطنة، ساوى ترامب بين بلاده كقوة عظمى وبين تنظيم داعش الإرهابي المنهار، حيث قال في أعقاب لقاء جمعه في لندن مع الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبيرغ: «لقد حاول داعش حفظ سيطرته على النفط، أما الآن فأصبحنا نحن الذين نسيطر عليه بشكل كامل».
وهذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها ترامب صراحة ودون حياء أو خجل أن واشنطن وداعش كانا في سباق وصراع من أجل نهب الثروات السورية، وأما الحرب على الارهاب فهي البروباغندا الشاذة والمريضة التي حاول المسؤولون الأميركيون تسويقها خلال السنوات الماضية من أجل تبرير وضع أيديهم الملطخة بالعار والدم على ثروات الشعب السوري.
لا خلاف قانونيا حول شرعية أو عدم شرعية هذا السلوك الأميركي غير الأخلاقي في سورية، إذ يعترف ترامب بأن بلاده تقوم بدور اللص والسارق شأنها شأن التنظيم الإرهابي، ولو استطعنا الحصول على بيانات موثقة حول عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء الغارات الأميركية في سورية وخاصة في منطقة الجزيرة فقد لا نستغرب أن تفوقت الولايات المتحدة وتحالفها المزعوم لمحاربة «الارهاب» على داعش في الأرقام، إذ لا تزال مدينة الرقة المدمرة شاهداً حياً يحكي عن الإنسانية المزيفة التي تدعيها واشنطن، حيث دفن الآلاف من أبناء المدينة تحت ركام منازلهم جراء الغارات الأميركية، والشيء ذاته يمكن قوله بخصوص المساهمة الأميركية في محاربة داعش في العراق، ولعل سجلات مقابر مدينة الموصل العراقية تكفي لإعطاء الصورة الحقيقية للنيات الأميركية تجاه منطقتنا وشعوبها، وعنوانها النفط أولا وأخيراً، إذا لا يكف ترامب يلهج بلغة النفط ,أسعار البرميل كما لو أنه تاجر نفط وليس زعيم الإمبراطورية الأكبر على مستوى العالم.
في العراق ما بعد الغزو الأميركي له عام 2003 تم تدمير كل شيء من بشر وشجر وحجر باستثناء آبار وحقول النفط وخطوط نقله من الآبار إلى الخليج، فهل كانت مجرد مصادفة، ولعل الجميع يتذكر العنوان الذي اجتيح فيه العراق من قبل أميركا وحلفائها، ألا وهو أسلحة الدمار الشامل التي أكدت منظمات دولية وأميركية من بينها منظمة حظر أسلحة الدمار الشامل التابعة للأمم المتحدة أن لا وجود لمثل هذا السلاح على أرض العراق، ثم فيما بعد تم استخدم «الارهاب» ذريعة ثانية للإبقاء على الوجود الأميركي في العراق كقوة احتلال وتدخل، بعد أن سقطت ذريعة السلاح الكيماوي والبيولوجي إلخ، وهاهي نتائج السياسات الأميركية التدميرية في العراق واضحة وضوح الشمس، بلد يعوم حول بحيرات من النفط ــ أكبر احتياطي عالمي ــ ومع ذلك يفتقد أبناء العراق للكهرباء والوقود والخدمات فهل هذا الأمر مجرد مصادفة أيضاً..؟!
في مواجهة إيران يرفع ترامب وإدارته شعارات نووية وحكايات حول مستوى تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية، فيما الحقيقة أن عين ترامب على النفط الإيراني، ويتضح ذلك من العقوبات الأميركية المشددة التي استهدفت قطاع النفط الإيراني، مما خلق مشكلات اقتصادية للحكومة الإيرانية قد تسهم في هز استقرارها على المدى الطويل.
وفي لبنان أيضا ثمة أطماع إسرائيلية أميركية بحقول النفط المكتشفة في المياه الإقليمية اللبنانية، حيث يوجد فيتو أميركي إسرائيلي غير معلن بخصوص عمليات التنقيب والاستخراج التي ستعود على الدولة اللبنانية والشعب اللبناني بالخير العميم، الأمر الذي أنتج مشكلات اقتصادية وازمة سياسية واجتماعية حادة في لبنان قد تهدد أمنه واستقراره وسلمه الأهلي في المرحلة القادمة.
لقد كثفت الولايات المتحدة الأميركية من تدخلها غير المشروع في شؤون المنطقة عموماً وهذه الدول الأربعة بصفة خاصة ــ وهي الدول التي تشكل حالياً أركان وركائز المحور الذي يقاوم الأطماع والتدخلات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة ــ بعد اكتشاف إمكانيات إضافية لهذه الدول في مجال النفط والطاقة ما يعطي فكرة واضحة عن السياسة الأميركية عموماً.
يقول ما يسمى المبعوث الأميركي الخاص حول سورية، جيمس جيفري، «إن وجود الولايات المتحدة العسكري في سورية أمر مشروع، موضحاً أن بلاده تريد ضمان ألا تقع حقول النفط شمال شرقي البلاد في أيدي الإرهابيين، مشيراً إلى أن «النفط، وفقاً للدستور السوري، يعد ملكاً للشعب السوري».
الغريب في تصريح هذا المسؤول الأميركي أنه يعترف بأحقية سورية وشعبها بالثروات النفطية السورية، ومع ذلك ترسل بلاده عسكرها ومرتزقتها لنهب هذه الثروات، وإرسال عائداتها إلى جيوب المسؤولين الأميركيين، في مفارقة صادمة من مفارقات السياسة الأميركية المعتمدة حول العالم.
وما يشاع أميركياً حول مسألتي النفط ومكافحة الارهاب، يمكن سحبه على أيضاً على مسرحيات الكيميائي في سورية وألاعيبها، إذ لا تزال واشنطن تتشدق بادعاءات باطلة في هذا المجال بحق الدولة السورية والجيش العربي السوري لا أساس لها من الصحة بهدف تعطيل مسار الحل السياسي الآخذ بالتقدم على جبهات مختلفة من جهة، وإشغال الرأي العام العالمي عن حقيقة قيام واشنطن بسرقة خيرات وثروات السوريين في مخالفة صريحة للقانون الدولي وخرق فاضح لميثاق الأمم المتحدة من جهة أخرى، ما يحتم تحركا دوليا جادا ونشطاً ومؤثراً لكبح جماح هذه الإدارة الأميركية المجرمة وهذا الرئيس الأميركي الجشع، ووضع حدّ لأطماعهما التوسعية والعدوانية حول العالم، والحيلولة دون تمكينهما من إنفاذ هذه السياسات العدائية المتوحشة بحق الدول المستقلة ذات السيادة.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الخميس 5-12-2019
الرقم: 17139