ربما يخطر بالبال مباشرة سؤال: ما الرابط بين البندورة والبرتقال؟ هل ثمة قرابة نسب بينهما، متى وكيف، أهما من فصيلة واحدة؟ وما وجه التلاقي إذا كان موجوداً، من حق من يقرأ أن يسأل ذلك، وربما من واجبي أن أقدم إجابة منطقية أدعيها، أو على الأقل أسعى من خلالها لاختراع روابط مباشرة وغير مباشرة بينهما، ولكن الحقيقة تقول إن جهدي لم يكن ذا فائدة في هذا المضمار، إلا إذا ادّعيت أنّ كليهما قد يحملان لوناً متقارباً من الاصفرار إلى الحمرة، وربما الشكل الكروي لكليهما.
ولكن الوجه الذي أعنيه غير ذلك تماماً، ولا يقترب من الحالة العضوية، إنما قد تشكل نتيجة متابعة شبه يومية لحركة السوق، ولاسيما الأسواق الشعبية التي كما يقال (هي على قد حالنا) من سوق الدحاديل إلى السوق العتيق وغيرهما من الأماكن العامة التي اتخذها الفقراء مكاناً لعرض الخضراوات والفواكه، وتلقى رواجاً كبيراً، ولا أخفيكم أني من متابعي هذه الأسواق من عشرات السنين، وأجد رغبة جامحة حين أعبر قرب السوق أن أتفحص كل ما يعرض فيه، من أوله حيث ستجد السعر الكاوي، وهو مخصص (للتنابل) الذين لا يمضون كثيراً في البحث عن حاجاتهم، وربما يختصر ذلك القول (رزق الهبل على المجانين).
فما يعرض في أول السوق بأضعاف السعر الذي تجده في منتصفه، أو نهايته، هو ذاته لا فرق أبداً، لا في الشكل ولا اللون، إنما هو الكسل يدفع من لا يتعب كثيراً بجني المال إلى الوقوف والشراء والمضي إلى وجهته، ولسنا من حسّاده أبداً، بل ندعو له بالمزيد من المال الوفير إن كان من مصدر حلال.
أما الفقراء مثلي فهم من أعنيهم، يطوفون السوق إلى نهايته، يرون ويسألون، يحددون ما يريدون شراءه، والحصيلة وفيرة بكل تأكيد، في السوق ستجد كل شيء، نعم، كل ما تتمناه هو لك، المهم أن تكون قادراً على دفع الثمن، اطلب لبن العصفور سوف تجده، فواكه الموسم، وغير الموسم لم تغب لحظة واحدة عن العربات والبسطات، العنب حتى اليوم موجود وبكميات جيدة .
أما الحمضيات فحدّث ولا حرج، أطنان وألوان شتى كل ما تشتهيه أمامك، فقط اختر، تكاد تحتار بالأسعار، البرتقال القادم من الساحل يباع بمئة وخمسين ليرة للكيلو الواحد، النوع المتميز، تتساءل: بكم باعه المُنتج، وكم ربح البائع؟ ولماذا يكون سعره الأدنى دائماً؟.
أحقاً ثمة إنتاج فائض لا إمكانية لتصريفه؟ لماذا لا تقام معامل للعصائر في مناطق الإنتاج؟ ولماذا مع قدومه يبدأ استيراد الموز؟ أسئلة قد لا يكون بينها رابط ما، لكنها تدفعك أيضاً إلى السؤال: كيف يكون سعر البندورة حتى اليوم بـ 150 ليرة، وربما إذا ارتفع إلى 200 ليرة؟.
كيف يرضى الفلاح بالربح القليل، أو يجبر على ذلك، وثمة حيتان أخرى تبتلع كل شيء؟ لا نبحث عن إجابات فقد اعتدنا عليها، لكن جملة واحدة تكفي: بلدنا بلد الخير والعطاء، لكن ثمة ضمائر نائمة لا بدّ من وخزها بقوة.
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 13-12-2019
الرقم: 17145