أيامنا السابقة كانت تضج بالحركة، والنشاط بكل أشكاله.. لكن شوارعنا اليوم تكاد تكون خالية من أغلب الناس إلا من قليل منهم.. والصمت يهبط في أوقات محددة نظراً لحظر التجوال في كثير من مدن العالم.. أمر لم نعتده لكننا وجدنا أنفسنا في أجوائه التي يلفها الهدوء لعدد من الساعات.. وها قد بدأنا بعد عدة أسابيع نستمتع بهذا السكون، ونجد فيه عذوبة عوضتنا عما كان يخترق سمعنا في أيام خلت من ضجيج، وضوضاء.. لا بل إن منا مَنْ بات يسأل نفسه: كيف سيعود الى تقبل صخب الحياة عندما ترجع الى ما كانت عليه؟ وهي لن تعود قبل انقضاء مزيد من الوقت سنظل فيه محجورين، ومعزولين.. لكن صخب النفوس، وضجيج احتجاجها بدأ يعلو، ويتصاعد أعلى فأعلى، وجميع الناس في ضيق مما هم فيه.. كما هم في دهشة من قصور العلم وأهله، وقلة حيلتهم في العثور على ما يوقف سريان الداء الوباء رغم كل هذا التقدم العلمي، والطبي الصحي الذي وصلت اليه البشرية!
نستغرب الأمر، ونقلِّبه على كافة وجوهه، ونعلن أن هناك من الحلقات ما هي مفقودة في قصة الوباء العجيب.. ونهمس لبعضنا بعضاً أن الفراغات بين الكلمات التي تبثها الأخبار تكاد تقول لنا شيئاً لكننا لا نفهمه.. ويرتفع الصوت بالسؤال: الى متى؟.. الى متى سنظل على هذه الحال التي جهدنا في أن نجعلها مقبولة، وعوالم الافتراض تمدنا بكل ما يخطر، أو لا يخطر على البال من وسائل الترفيه، والتعليم لنتغلب على ما استجد من حالنا وغيَّر من أحوالنا.
وشهر الصوم هذا العام كانت اضواء الاحتفاء به خافتة، كما أصوات المؤذنين، والمنشدين التي غابت عن بعض مآذنها.. وها هو شهر البركات يغادر بصمت، وهو يُسلم صمته الى عيده.. فبأي حال عدت إلينا يا عيد؟
وها هي عواصمنا العربية والإسلامية تستقبل عيدها على استحياء.. فلا حدائق، ولا منتزهات، ولا ألعاب للأطفال تأتي لهم ببهجة العيد.. ولا أسواق تفتح أبوابها كعادتها لتستقبل المشترين للجديد من الثياب.. ولا حلوى ولو كانت حلوة المذاق تستطيع الآن أن تذيب طعم المرارة التي باتت في النفوس قبل الأفواه.
العيد يأتي هذا العام بشكل جديد غير مألوف.. لكنه في قدومه غير المألوف هذا يصبح سببا للتعاطف بين الناس إذ يفتح باب العطف، والإحسان نحو الفقراء، أو مَنْ أصابهم الوباء.. فلعل حسنة صغيرة تدفع عن المرء بلية كبيرة كما يُقال، وكما يعتقد أغلب الناس.. ونحن نعود إلى ما اعتدنا عليه، ونشأنا من قيم مجتمعية، ودينية فيها الخير، والرأفة، خاصة وأنهم يقولون إن الفقراء هم أكثر عرضة للإصابة بالوباء الفتاك بسبب ما ينقصهم من وسائل الحماية، والوقاية.
مباهج صغيرة من احتفالات كانت لنا قبل ان ندخل الى واقع جديد تتحول في زمن كورونا الى مباهج كبيرة تتجلى في التواصل الحقيقي بين الناس رغم التباعد الاجتماعي، ومسافات الأمان التي أصبحت مفروضة علينا.. بل إنه تقارب النفوس، وليس تقارب الأجساد هو ما يسري بيننا ليستمر العيد معنا ولو انقضت أيامه القصيرة.. ورُب من ضارة هي نافعة لو قلَّبنا أوجه الأمور، ونظرنا بعين التفاؤل، والإيجاب.
العيد يأتي هذا العام في صمت لعله يحجب ضجيج كل ما هو زائف.. لكن المشاعر الإنسانية لا يمكن لها أن تصمت، وخاصة في أوقات المحن، والشدائد.
إضاءات ـ لينـــــا كيــــــلاني